يسيطر الحذر على قرى شبعا والعرقوب. عاد المحور إلى خط المواجهة المباشرة. تبدّلت معالم القرى الحدودية مذ وضعت حرب غزّة أوزارها، وتحرّكت جبهة الجنوب، ولو «عَ الخفيف»، يسيطر الترقب والقلق. بالأمس كانت شبعا على خط النار، هذه البلدة التي ما زال أهلها ينتظرون تحرير مزارعهم بفارغ الصبر.
في الطريق نحو شبعا، سؤال وحيد يرسم سيناريو المرحلة المقبلة: هل يتخلّى الأهالي عن أرضهم ومنازلهم وينزحون بحجة التوترات الحاصلة والخوف من الحرب؟
كانت حركة السير عادية، تتجه بغالبيتها نحو شبعا التي نالت نصيبها من القصف الاسرائيلي الذي طال عدداً من منازلها، وأدى إلى مقتل اثنين من أبنائها. الحزن يلفّ البلدة، الكل يتحدّث «كيف منع العدوّ وصول سيارة الاسعاف إلى منزل المسنّين؟»، «ضرب المنزل مرة ثانية» يقول أحدهم «وكأنّهم ارهابيون، هم مدنيون، يمضون نهاية عمرهم».
يقول يحيى علي، شقيق خليل علي الذي قتل مع زوجته السبت، إنّ منزل شقيقه تعرّض لأكثر من ٥ قذائف، وكأنه استهداف مباشر، «منازل عدّة في البلدة أصيبت بقذائف الاحتلال الاسرائيلي». ويؤكد أنّ أهالي شبعا «زادوا تمسكاً بأرضهم ومنازلهم».
يسيطر الحذر والقلق على شبعا، لم يغادرها أهلها، فضّلوا الصمود، اعتادوا على الحروب، غادر قلّة من أبنائها ومنهم تحديداً من يعمل في بيروت على ما يقول رئيس البلدية محمد صعب، مستنكراً ما تعرّضت له شبعا «فشبعا خالية من الأحزاب، لماذا تعرّضنا للقصف؟ هذا الأمر مدان بشدّة». بحسبه، القصف الاسرائيلي استهدف عدداً من المنازل داخل البلدة بالمدفعية وأحدث أضراراً فيها. غير أنه يقول «لن نترك بلدتنا، الكل صامد هنا، وحركة النزوح كانت خجولة جداً».
همجية الاسرائيلي طالت مركز الصليب الأحمر اللبناني، وقد تعرّض تبعاً لصعب إلى قذيفتين بالمباشر، «هذه الهمجية تجعل من اي خطة طوارئ في خطر».
عيتا الشعب
وفي عيتا الشعب، لم تسلم مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة من القصف، ونجا طلابها بأعجوبة. فالمدرسة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية تضمّ طلاباً من عيتا الشعب والجوار تقع مقابل موقع الراهب الإسرائيلي مباشرة، «الذي يعرفها جيداً ويعرف من فيها» وفق رئيس بلدية عيتا الشعب محمد سرور، مستغرباً قصفها «هي مكان محايد، فلِم قُصفت»؟
بين 7 و8 جرحى هي حصيلة القصف الهمجي الذي طال عيتا الشعب المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة عند الخط الازرق، ما دفع بعدد من أبناء البلدة لمغادرتها، «وتحديداً كبار السنّ والمرضى والأطفال والنساء»، كما يقول سرور، مشيراً إلى أن «العدو يعتمد سياسة القصف والقتل العشوائي على غرار ما يحصل في غزة، يتقصّد قتل المدنيين، أكثر من 12 قذيفة فوسفورية المحرمة دولياً أطلقت على أحياء البلدة بشكل دائري، ما يشكّل خطراً كبيراً على حياة الأهالي».
إستعادت عيتا الشعب مشاهد من حرب تموز 2006، وقتها فرغت البلدة كلّياً من سكانها، المشهد يتكرّر اليوم ولكنّه «أخطر من حرب تموز»، يقول سرور، «لأننا لم نعد نعرف متى يتم القصف ومتى يهدأ، وهنا يكمن الخطر».
حالة من الإرباك والقلق واستنزاف أعصاب تسيطر على البلدة، التي تتعرض للمرة الثالثة على التوالي للقصف منذ بداية موجة التوتر على الحدود مع فلسطين المحتلة، وتزامن القصف مع هجوم شنّه «حزب الله» على موقعي الراهب وظهر الجمل رداً على استهداف الصحافيين والمدنيين وأصابهما بشكل مباشر.
يقول سرور: «لا أحد يجرؤ على الخروج، فلا أحد يعرف توقيت القصف الذي يستهدف المدنيين، يستفردون بالناس على غرار غزّة، لا يوجد عسكر داخل البلدة لماذا تقصف بهذه الوحشية»؟
معظم أبناء البلدة ممّن نزحوا قصدوا صور وتحديداً مراكز الإيواء داخلها على ما يقول المختار ماجد طحيني، لافتاً إلى أنّ كثيرين «ممّن نزحوا لا يقوون على استئجار منزل، فإيجارات المنازل ارتفعت بشكل كبير، وهناك من يطلب 1000 دولار بدل ايجار شهر. وهذا استغلال واضح لظروف الناس الطارئة، فهناك من يتحيّن فرصة الأزمة الامنية الطارئة لتحقيق ارباح»، ودعا المسؤولين الى التدخّل «لأنّ هناك عوائل لا تملك مالاً ولا مركز ايواء».