أرخت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة بثقلها على لبنان وفاقمت من حدّة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها هذا البلد منذ ثلاث سنوات، وتتعزّز المخاوف من حصار بحري وجوّي تفرضه إسرائيل على لبنان شبيه بما حصل في العام 2006، في حال وقعت الحرب بينها وبين «حزب الله»، ما يُنذر بفقدان مواد أساسية مثل الغذاء والدواء والمحروقات التي تشكلّ عصب الحياة.
المخاطر المُحدقة بالأمن الغذائي والدوائي في لبنان تسابق الحرب المحتملة، وكشف النائب مارك ضوّ في تغريدة له، أن «شركات التأمين ترفض تغطية أي سفينة تتجه إلى لبنان، على اعتبار أن لبنان فيه خطر حرب عالٍ». وقال «هذا يعني أن الأشغال ستتعطّل ويمكن شحّ وانقطاع المواد الأساسيّة». وإذ أعطى مثالاً على ذلك «مؤشرات إلغاء شركات الطيران رحلاتها إلى لبنان»، دعا ضوّ الحكومة والمجلس النيابي ليكونا «حاسمين بالإصرار على تجنيب لبنان خطر الانزلاق إلى الحرب، وعلى القوة الإقليمية والمحلية أن تدرك أن اللبنانيين لا يريدون الدخول في حرب».
المؤسسات المعنية بتوفير السلع الضرورية، تدرس كلّ الاحتمالات بإعتبار أن احتمال تأمين المواد الأساسية بشكل دائم يتساوى مع إمكانية فقدانها من الأسواق، وأوضح رئيس الهيئات الاقتصادية في بيروت وجبل لبنان الوزير السابق محمد شقير، أن «الانزلاق إلى الحرب يضع لبنان أمام مخاطر اقتصادية وغذائية وحياتية كبيرة». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المخزون من اللحوم والمعلبات يكفي لشهرين بينما الأدوية مؤمنة لسبعة أشهر مقبلة». ورأى أن «المشكلة تكمن في مخزون المحروقات المتدني جداً، فمادة البنزين والمازوت تكفي لـ12 يوماً فقط، فإذا وقعت الحرب لا سمح الله وانقطعت هذه السلعة الأساسية يعني حكماً أن كافة المعامل ستتوقف، عدا عن فقدان مادة مهمة وحيوية للتنقل والمولدات وتوليد الكهرباء». ولفت شقير إلى أن هناك «شركتي بواخر أساسيتين تتكفّلان بشحن ما يزيد عن 70 في المئة من البضائع إلى لبنان، ما زالتا تعملان بشكل طبيعي ولم تتبلّغا أي إنذار بإمكانية توقفهما عن شحن البضائع إلى الموانئ اللبنانية».
وعمّا إذا كان توقّف بعض شركات الطيران مؤشراً سلبياً على حركة الملاحة الجوية ينعكس على الواقع الاقتصادي، قال شقير «هناك شركتا طيران أوقفتا رحلاتهما الجوية إلى مطار رفيق الحريري، لسببين الأول انتهاء الموسم السياحي، والثاني إلغاء الكثير من المسافرين رحلاتهم إلى لبنان بسبب الأوضاع المتوترة في المنطقة ومنها لبنان»، معتبراً أن «الأمور حتى الآن تحت السيطرة لكن الخطر قائم والأوضاع قابلة للتبدّل بين يوم وآخر».
مرفأ بيروت الذي دمّره انفجار 4 آب 2020، لا يزال يشكل الشريان الأساسي للاقتصاد اللبناني ووجهة أساسية للشركات التي تشحن بضاعتها إلى لبنان، لم يتأثر حتى الآن بتداعيات حوب غزّة، وطالما أن الساحة اللبنانية لم تنزلق إلى هذه الحرب رغم العمليات العسكرية المتقطعة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وأعلن رئيس مرفأ بيروت عمر عيتاني لـ«الشرق الأوسط»، أن «إدارة المرفأ عقدت اجتماعاً ظهر الأربعاء مع ممثلي شركتي الشحن الأساسيتين، وخصص الاجتماع للبحث في استمرار عمل البواخر بشكل طبيعي طالما أن الظروف الأمنية تسمح بذلك». وأكد عيتاني أن الشركتين أبلغتا إدارة المرفأ أن شركات التأمين قد ترفع قيمة التأمين بنسبة 10 في المئة بسبب ارتفاع الخطر، وهذا ما حصل مع البواخر المتجهة إلى مرفأ حيفا.
وكانت لجنة الأمن الغذائي التابعة للهيئات الاقتصادية، عقدت اجتماعا برئاسة الوزير السابق محمد شقير، في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان، تخلّله عرض لواقع الأمن الغذائي والإمكانيات المتوفرة حاليا في لبنان، ومدى جهوزية القطاعات لتلبية احتياجات السوق اللبنانية في ضوء أي احتمال لامتداد الحرب إلى لبنان، وقدم رؤساء القطاعات الغذائية عرضاً عن وضع قطاعاتهم والمخزونات والإمكانيات المتوفرة حالياً والتحديات التي يمكن أن تواجههم في حال تفاقمت الأوضاع. ونبّهت اللجنة إلى عاملين أساسيين في حال تدهورت الأوضاع نحو الأسوأ، من شأنهما تعطيل دورة الإنتاج وضرب سلاسل التوريد، الأول عدم القدرة على تأمين المحروقات اللازمة للإنتاج وقطع الطرقات وبالتالي قطع التواصل بين المناطق اللبنانية ما سيؤدي إلى منع وصول المواد الغذائية وغير الغذائية إلى من يحتاجها، والثاني قدرة العمال على الوصول إلى أماكن عملهم خصوصا في الوحدات الإنتاجية. وناشدت اللجنة «الجميع تحمل مسؤولياتهم التاريخية والوطنية وبذل كل الجهود لإبعاد لبنان عن أتون الحرب التي قد تضع الشعب اللبناني أمام تحديات جسام، وستكون مرهقة وباهظة الثمن على لبنان واللبنانيين».