حسمت شركة «توتال» الفرنسية، بوصفها قائدة الكونسورتيوم، الذي يضم «إيني» الإيطالية و«قطر للطاقة»، أن الأعمال الاستكشافية في مكمن قانا انتهت بالفعل، بعدما تأكدت من أنه يحتوي على المياه فقط، وبذلك حزمت معداتها وغادرت منطقة العمل. بعد أيام قليلة على الكتاب الفرنسي، أعلنت هيئة إدارة قطاع البترول في وزارة الطاقة والمياه، أنه «رغم عدم حصول اكتشاف لمواد هيدروكاربونية نتيجة لحفر هذه البئر، إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملاً جديداً ومعطيات إيجابية لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى، وبالأخص تلك المحيطة بالبلوك 9، كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للاستكشاف في البحر اللبناني». وأكّدت هيئة إدارة قطاع البترول أن الاهتمام سينصبّ في الأشهر المقبلة على استعمال البيانات والعيّنات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر، من أجل «نمذَجة أدقّ لحوض قانا، بهدف تحديد الامتداد الجغرافي للمكامن المكتشفة داخله وفي المناطق المحيطة به، ورفع نسبة النجاح لتحقيق اكتشافات غازية مستقبلاً في حوض قانا والمناطق المحيطة التي تمتد على بلوكات بحرية عدة».
أنقر على الرسم البياني لتكبيره
«النمذَجة الأدق» كان ينقصها إجراء دراسة موسّعة لفهم أعمق يسمح برسم خريطة لهذا النوع من المكامن في حوض قانا وعلى امتداد البلوك 9 والبلوكات المحيطة، لتحديد أماكن المكامن التي يمكن أن تحتوي على مواد هيدروكاربونية بكميات تجارية. وهذا بالضبط ما وقعت فيه «توتال» قبل البدء بحفر البئر الاستكشافية. فبحسب قراءة تقنية أولية للدراسات والبيانات والخطوات التي اعتمدتها الشركة الفرنسية، واطلعت عليها «الأخبار»، يظهر أن الشركة تعاطت بـ«عدم احترافية» و«اهتمام أقلّ» في حفرها للبئر في البلوك الرقم 9، إذ استندت الشركة في حفرها للبئر إلى تحليل المسوحات الزلزاليّة الموجودة في هذا البلوك وتحديد موقع مناسب للحفر يكون متناسباً مع الطبقات الأساسيّة المستهدفة (تمار C & D) الموجودة في البحر الفلسطيني. وكانت «توتال» قد رسمت تصوّراً للطبقات الجيولوجية في البئر قبل بداية الحفر، وبعد الانتهاء تمّ رسم الطبقات الجيولوجية المستندة إلى الوقائع الحقيقيّة والعيّنات المأخوذة من البئر.
ويُظهر الرسم المتصوَّر من قبل الشركة قبل البدء بعمليات الحفر الاستكشافية التفاوت الكبير بين التصوّر قبل الحفر والنتيجة الفعليّة في اكتشاف هذه الطبقات بعد الحفر، وهذا يدلّ على عدم دقة التحليلات التي تمّت للمسوحات الزلزالية، والتي على أساسها تمّ الحفر. هذه النتيجة يمكن أن تستدعي إعادة تحليل لهذه المسوحات مرة أخرى، وتثبيت المعلومات استناداً الى البئر المحفورة حديثاً لأنها تعطي معلومات دقيقة عن الطبقات التي تمّ اختراقها.
سُجّلت مآخذ تقنية على «توتال» في العديد من مراحل عملها قبل العمل الاستكشافي للبلوك الرقم 9 وخلاله
وقد سُجّلت مآخذ تقنية عديدة على «توتال» في عدد من مراحل عملها قبل العمل الاستكشافي للبلوك الرقم 9 وخلاله، منها أن مهندسي الشركة أجروا 18 محاولة لأخذ قياسات الضغط (كلما كان الضغط مرتفعاً، يكون احتمال وجود بترول أو غاز عالياً)، نجحت 13 محاولة منها في نقاط مختلفة، فيما لم يتمكنوا من أخذ باقي العيّنات. ويعود سبب الفشل هذا إلى استخدامهم معدّات قياس غير مناسبة، إذ لم تتمكن هذه المعدات من عزل الطبقات بطريقة فعّالة لأخذ نقطة الضغط بدقة. فضلاً عن أن الشركة حاولت أخذ نقطة ضغط في المكان نفسه لأكثر من مرة، من دون تكبد عناء أخذها في مكان آخر، وهذا يضع علامات استفهام كبيرة على جودة عملها.
أما في ما يتعلق بمرحلة الحفر، فقد وجدت الشركة غازاً عند مرحلة الحفر بقُطر 12 بوصة، وحصل دفع قويّ للغاز المجمّع (Gas Kick) فور اختراق الطبقات الملحيّة، لكنه لم يكن بكميّات تجارية، إذ إن الحفر كان لا يزال عند أعماق منخفضة.
واعتماداً على النتائج التي صدرت في هذه المرحلة (Dynamic Data)، وعلى مؤشر حركة السوائل (Mobility) الذي تمّ قياسه من قبل الشركة والذي كان مرتفعاً، يمكن أن تنتج هذه الطبقة كميّة من الغاز. ففي آبار مشابهة حول العالم، تنتج الآبار التي لديها نفس هذه المؤشرات حوالي 20 مليون متر مكعب يومياً. لكن «توتال» لم تقم بالمزيد من القياسات، ولم تجمع بيانات كافية لتحليلها بشكل جيد، رغم أن هناك نفاذية عالية في الصخور، وهذا ما كان واضحاً في الحفر على عمق 3152 متراً. من هنا، يمكن القول بوجود غاز في هذه المنطقة، حيث كان يجب أن يتم الضخّ منه واختباره لتقدير كمياته.
أما على عمق 3600 متر وما دون، فقد كانت نسبة مساميّة الصخور تتراوح بين 25% إلى 35%، وهذا دليل على وجود خزّان (رمال ذات مسامية ونفاذية عالية). ولكن طوال فترة الحفر، كانت نتائج المقاومة الكهربائية للصخور (Resistivity) منخفضة جداً، ما يدل على أن هذه المسامات تحتوي على المياه وليس أي سائل آخر (نفط أو غاز). لكن هناك العديد من الآبار حول العالم التي كانت نتيجة مقاومة الكهرباء للسوائل منخفضة فيها ورغم ذلك يتم استخراج الغاز منها، وهذا يعود إلى وجود مادّة الـ«Illite» كمكوّن للطين الموجود في هذه الطبقات، والذي عادة ما يكون مشبعاً بالمياه ويُعطي هذه النتائج الكهربائية. لذلك، لا يمكن الاعتماد الكامل على هذا المؤشّر، بل كان يجب سحب عيّنات من هذه السوائل ودراستها جيداً.
وفي الحديث عن عيّنات السوائل، قامت «توتال» بأخذ بعض منها، ولكن من أماكن غير دقيقة، إذ كان في إمكانها أخذها من أماكن توضّح وجود غاز فيها على حسب البيانات خلال الحفر، كما أنها عبّأتها بطريقة غير مناسبة، الأمر الذي يسبّب أخطاءً في نتائج التحاليل المخبرية.
إضافة إلى ذلك، فقد سُجل فرْق بحوالي «200 psi» في قياسات الضغط بين نقاط الضغط الأولى التي تم أخذها ونقاط الضغط الثانية، وهذا فرق كبير جداً وله دلالات عديدة، ولكن ما قامت به «توتال» أنّها أوقفت الأعمال كلها من دون أن تقوم بقياسات الـ«DST» التي كان مخططاً لها، والتي كانت ستعطينا تقديرات عن الكميات الموجودة وامتدادها.
وفي خلاصة القراءة التقنية الأولية لأداء «توتال»، وطالما أن الاكتشاف يعني إجراء عملية تحديد الكميات عبر تقنية الـ«DST» بعد الانتهاء من الحفر، يمكن القول إن هذا ما لم تقم به الشركة. وبالتالي، عليها أن تقوم بتحديد موعد سريع لحفر بئر استكشافية ثانية، على أن تقوم بواجبها كاملاً فيه، لمحو علامات الاستفهام الكثيرة والكبيرة التي خلّفها أداؤها في بئر قانا.
كتاب «توتال»
في كتاب إلى وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، في 14 الجاري، قالت شركة «توتال» الفرنسية إنه بتاريخ 13منه، تم الانتهاء من حفر بئر قانا 31/1، بعدما وصلت إلى عمق إجمالي قدره 3865 متراً تحت سطح البحر أو 3905 أمتار من المنصة، مشيرة إلى أنها اخترقت بالكامل التكوين الجيولوجي المعروف باسم «Tamar C»، واخترقت بشكل كافٍ التكوين الجيولوجي المعروف باسم «Tamar D»، وكلاهما تم التأكد من أنهما يحملان المياه. وبناءً على ذلك، قالت إن أصحاب الحقوق في البلوك الرقم 9 استوفوا الحد الأدنى من التزامات العمل لفترة الاستكشاف الأولى بموجب اتفاقية حماية البيئة. وأبلغت الشركة وزارة الطاقة أنها ستبدأ عمليات سدّ وهجر بئر قانا في أي وقت بعد 24 ساعة على تاريخ الكتاب، بحسب المادة 94 والمادة 100 من لائحة الأنشطة البترولية.
هيئة قطاع البترول لدراسة موسّعة وفهم أعمق
أفادت هيئة إدارة قطاع البترول في وزارة الطاقة والمياه، في بيان أمس، أن اختيار موقع البئر في حوض قانا غير المستكشف، هدف إلى الإجابة عن سؤالين محوريين لمستقبل عمليات الاستكشاف في البحر اللبناني. الأول، تأكيد أو نفي وجود مكامن (Reservoirs) ونوعيتها خاصة بالبحر اللبناني، في طبقة جيولوجية لم يتم اكتشاف مكامن فيها في الحوض المشرقي بعد. والثاني، مدى تشابه وامتداد الطبقات الجيولوجية التي تم تسجيل اكتشافات غازية فيها في بحر فلسطين المحتلة، بمثيلاتها في البحر اللبناني، وتأكيد أو نفي وجود مكامن غازية (Reservoirs) ونوعيتها.
وأشارت إلى أنّه «تمّ من خلال الحفر، اختراق الطبقات المستهدفة وتأكيد وجود مكمن بنوعية جيدة يحتوي على الغاز في الطبقة الخاصة بلبنان»، مؤكدةً أن «اكتشاف هذا المكمن في حوض قانا يوجب إجراء دراسة موسّعة لفهم أعمق، يسمح برسم خريطة لهذا النوع من المكامن في حوض قانا وعلى امتداد البلوك 9 والبلوكات المحيطة، بهدف تحديد أماكن المكامن التي يمكن أن تحتوي على مواد هيدروكاربونية بكميات تجارية». وأوضحت أنه «تم تأكيد امتداد الطبقات الجيولوجية التي سجلت فيها اكتشافات غازية في بحر فلسطين المحتلة إلى البحر اللبناني، وتم تأكيد وجود مكامن (Reservoirs) بنوعية جيدة جداً، والتي احتوت على آثار للغاز في الموقع الذي حفرت فيه البئر».