دخل لبنان في الحرب المفتوحة مع اسرائيل عبر جبهة الجنوب أم لم يفعل، فإنه أصبح جزءا من صورة المنطقة المستقبلية ما بعد “طوفان الأقصى” وتطورات المواجهة في غزة.
من المبكر طبعاً الحديث عن مرحلة ما بعد حرب غزة والتسوية الكبرى في المنطقة. فالحرب لم ترخ أوزارها بعد، والكلمة الفصل لا تزال للميدان. إلا أن بعض الحقائق اللبنانية أصبحت ثابتة منذ السابع من تشرين الأول.
الحقيقة الأولى أن رئاسة الجمهورية جُمّدت الى أجل طويل، أقلّه انتهاء الحرب. وستكون مرهونة بنتائج الحرب والأثمان التي ستُدفَع على طاولة المفاوضات حينه.
أما المعايير والمواصفات التي تتحكم باختيار رئيس لبنان الجديد فستتغيّر، وسيكون لحجم المكاسب العسكرية التي يحققها المحور الايراني بالغ التأثير في مسار الاستحقاق.
الحقيقة الثانية أن ملف التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية قد رُحَّل بدوره. فمنصة “توتال” في طريقها الى قبرص، واتفاقية التنقيب لا تلزم الشركة بحفر بئر ثانٍ، وهذا خطأ كبير في النص. وأما عودة إحياء عمليات الحفر فستكون مرهونة بظروف توفير أمن الطاقة، التي سبق وأمّنها اتفاق ترسيم الحدود البحرية برعاية أميركية. وبات من الصعب الحديث عن أمن الطاقة في بحر لبنان واحتمالات مواجهة عسكرية كبرى تبقى قائمة في أي لحظة.
الحقيقة الثالثة أنه لم يعد هناك من مجال للحديث عن مفاوضات ترسيم للحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهذا أمر بديهي في ظل المعارك المستمرة في الجبهة الجنوبية، والخوف من تخطيها قواعد الاشتباك في أي لحظة على وقع العملية البرية الاسرائيلية المرتقبة في غزة.
الحقيقة الرابعة أن كل مسار النهوض الاقتصادي والتعافي من الأزمة المالية، بما في ذلك اعادة انتظام المؤسسات الدستورية وملء الشغور في المواقع الأساسية لا سيما حاكم مصرف لبنان، وإعادة أموال المودعين وتنفيذ الخطوات الاصلاحية، وصولاً الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بات معلّقاً بدوره الى أجل غير مسمّى.
للأسف، إنّ مصير هذا البلد الصغير يحكمه إيقاع التطورات الاقليمية والدولية، وقبل اندلاع حرب غزة كانت القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن إحداث أي خرق على خط الاستحقاق الرئاسي كما غيره من أبسط الاستحقاقات، فكيف الحال بهم بعد حرب مصيرية من المتوقع أن تغيّر وجه المنطقة؟
طويلة أزمتنا ويبدو أنّه علينا أن نتعايش مع مصائبنا لفترةٍ أطول.