ثلاث محطّات هي الأهمّ في مسار جولة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التشاورية:
1- اتّصاله بالأمين العامّ للحزب.
2- زيارته رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة.
3- زيارته رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في بنشعي.
على الرغم من أنّ مصادره تعتبر أنّ كلّ محطات الجولة كانت مهمّة، سواء تلك “التي أنجزها أو التي لم ينجزها بعد”، إلا أنّه خرج بنتائج مهمّة “وإن اختلفت درجة أهمية زيارة عن الثانية”.
هكذا يراقب التيار التعليقات على جولة رئيسه ومحاولة التقليل من شأنها، علماً أنّ الجميع أعطاه حقّه في أنّه حرّك الجمود على الساحة الوطنية ويسعى إلى تأمين التلاقي على قضايا مهمّة، أهمّها دعم المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين وعدم زجّ لبنان في الحرب وتأمين حزام أمان داخلي لمقاومة الحزب في مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي.
أربعون دقيقة مع نصر الله
على المستوى السياسي كانت باكورة التحرّك اتصالاً أجراه باسيل عبر قناة “آمنة” مع الأمين العام للحزب. ولأنّه كان نقطة البداية، فلا شكّ أنّ سرّ التحرّك ودوافعه الداخلية والخارجية أُودعت في عهدة السيّد الذي بعث برسائل تطمين إلى حليفه الأقرب وإن لم يمنحه مبتغاه في رئاسة الجمهورية.
أتى الاتّصال “المهمّ” بين باسيل والسيّد للمرّة الأولى عقب استضافته وفرنجية إلى جلسة فطور قبل ما يزيد على عام. أمّا الاتصال الهاتفي في الظرف الراهن فهو خطوة بالغة الأهمية. إذ احتلّت غزّة والحرب في المنطقة صدارة الموضوعات التي تبادلا الحديث بشأنها، ثمّ عرّجا على الملفّ الداخلي والرئاسي تحديداً.
أربعون دقيقة كانت عبارة عن لقاء غير مباشر اتّفق الطرفان على أن يبقيا تفاصيله المهمّة قيد الكتمان.
أربعون دقيقة كانت عبارة عن لقاء غير مباشر اتّفق الطرفان على أن يبقيا تفاصيله المهمّة قيد الكتمان
أمّا اللقاءان اللذان شدّا الاهتمام وتمحورا حول الرئاسة فكانا بين المُرشِّح رئيس مجلس النواب نبيه برّي والمُرشَّح سليمان فرنجية. اتّسم اللقاء مع برّي بالصراحة والعفوية. كعادته استعان برّي بعباراته اللمّاحة ليوصل رسائله. فلا ضير إن كان السبّاق في مفاتحة ضيفه برغبة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب رميقاتي بالتمديد لقائد الجيش “نكاية”، لأنّ بقاء جوزف عون أكثر ما يزعج باسيل، لصعوبة التفاهم معه، ولأنّ التمديد له يعني التمديد لترشيحه لرئاسة الجمهورية.
الرئاسة… وقطر تتحرّك
في الموضوع الرئاسي بقي تموضع أحد طرفَي الثنائي على موقفه. لم يتّفق الضيف مع المضيف على فتح أبواب مجلس النواب كي لا يصيب الميثاقية في مقتل. لم يتراجع عن تأييد فرنجية. هنا أيضاً التزم طرفا الاجتماع بالتكتّم على نقطة أساسية متعلّقة بالرئاسة.
وكما مع بري كذلك في لقائه مع المرشّح فرنجية: “في اللقاءين أخذت الرئاسة حقّها في النقاش لأنّها البند رقم 3 في المبادرة التشاورية، وهي موضوعة تحت عنوان: إعادة تكوين السلطة لحماية لبنان”.
سمع باسيل كلاماً إيجابياً من الطرفين يؤكّد صوابيّته في مقاربة الوضع الراهن، وأنّهما مدركان لمخاطر الفراغ، خصوصاً في هذه المرحلة. فهل درس باسيل مع هذين الرجلين إمكانية حصول تحوّلات وفقاً للظروف؟
الأوساط العليمة لم تؤكّد ولم تنفِ. لكنّ كلامه عن “مقاربة رئاسية جديدة محتملة” كان لافتاً، كذلك قوله عقب مغادرته عين التينة: “يجب أن نعمل من أجل انتخاب رئيس الجمهورية والسعي إلى أن يكون بالتفاهم، وإذا لم نتفاهم الآن فمتى يكون التفاهم؟ الوقت ليس وقتاً لتحدّي بعضنا بعضاً”. وهو ما يوحي، بحسب مصادر سياسية قريبة من طرفَي الاجتماع، بأنّ المسعى الداخلي أصبح أكثر نشاطاً من المساعي الخارجية التي لم يبقَ منها سوى المسعى القطري. وتقول معلومات موثوقة لـ”أساس” إنّ الموفد القطري جال في هذين اليومين على عدد من القيادات، وهو بصدد توسيع مروحة لقاءاته.
باسيل لفرنجيّة: إذا فزت “صحّتين”
في اللقاء مع فرنجية يمكن الركون إلى ما قاله “البيك” أمام الإعلام من أنّه يلتقي 99 في المئة مع باسيل على مقاربة الأوضاع. وترك الواحد في المئة الذي ربّما يكون متعلّقاً بموضوع الرئاسة. وقد يفهم البعض أنّ هناك أملاً لأن يوافق باسيل على فرنجية: “هذا التفسير محتمل، ولكن ليس من أمل”.
هناك أيضاً تفسير آخر، وهو احتمال أن يكون باسيل قد اقتنع بمقاربة رئاسية جديدة ألمح إليها بعد خروجه من عين التينة.
مع فرنجية أعرب باسيل عن طيّ صفحة الخلاف الماضي وعن رغبته في التلاقي على صفحة جديدة من العلاقة تنهي الخصومة على المستوى الشخصي. صارحه بمعارضة ترشيحه وبضرورة إنجاز استحقاق الرئاسة، و”بقلب مفتوح” قال له إنّ “البلد في خطر ويحتاج إلى رئيس ولن أفتح دفاتر الماضي بعد اليوم وأريد أن أنهي القطيعة ونتحاور في أكثر من موضوع. لنذهب إلى جلسة مفتوحة، وإذا فزت صحّتين على قلبك. سأتعاون معك حيث أقتنع وسيكون موقفنا أفضل ممّا كان عليه موقفكم من عهد الرئيس ميشال عون”.
ردّ فرنجية أنّه في نهاية المطاف سيحتكم “إلى الـ51 صوتاً” التي حصل عليها، و”أيّ تعديل في هذا الموقف أمشي معه”. وبمعنى آخر، وضع ترشيحه “رهن من بادر إلى إعلانه وتبنّيه، أي برّي والحزب”. وعلى الرغم ممّا سمعه بقي فرنجية مراهناً وفق ما عبّرت مصادره للإعلام على “تحوّل في موقف باسيل يمكن البناء عليه بعد إنهاء الخصومة بينهم،ا وللحزب دور يمكن أن يلعبه هنا”.
الاتصال الهاتفي في الظرف الراهن فهو خطوة بالغة الأهمية. إذ احتلّت غزّة والحرب في المنطقة صدارة الموضوعات التي تبادلا الحديث بشأنها، ثمّ عرّجا على الملفّ الداخلي والرئاسي تحديداً
التيّار: “كيف لا تكون مهمّة؟”
تتشكّك مصادر التيار الوطني الحرّ في خلفيّات المتحدّثين عن فشل جولة رئيسه، وتقول إنّ الذين يصوّرون اللقاء أنّه تكرار فاشل أو فولكلوري “يصفون أمراً لم يكونوا جزءاً منه ولا شاهدين عليه”، فهو “تحرّك بقوّة دفع داخلية قامت على قلق فعليّ من مخاطر انقسام سياسي وتفكُّك للدولة وفراغ في رئاسة الجمهورية وحكومة مبتورة، أي كلّ عوامل الضعف الداخلي، تضاف إليها عوامل الخطر الخارجية، ولم يملِ عليه أيّ طرف من الخارج كي يتحرّك، ولا أحد أصلاً يستطيع ذلك”.
تمضي قائلة: “كيف لا تكون جولته مهمّة ولقاؤه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنهى خصومة عمرها يزيد على عام، شابتها خلافات قوية وتراشق إعلامي. طلب ميقاتي من باسيل عودة وزراء التيار إلى حضور اجتماعات الحكومة، فرفض باسيل مقترحاً حضورهم اجتماعات تشاور وزارية. عتب طويل دار بينهما في زيارة طوّقتها مصادر ميقاتي بالتقليل من أهميّتها قبل وصوله وبعده.
وكيف لا تكون مهمّة واللقاء مع النائب السابق وليد جنبلاط انتهى إلى قول الأخير إنّه وباسيل يلتقيان في شراكة على حماية لبنان.
وكيف لا تكون مهمّة وقد اجتمع باسيل إلى الكتل السنّية بعدما كانت البيئة السنّية تبادله الخصومة فصار يتبادل معها التشاور في شؤون رئاسية وغيرها؟”.
يؤكّد باسيل على لسان مصادره القريبة أنّ اللقاء التشاوري مفتوح على التواصل مع الأطراف السبعة. وحول ما إذا كان الهدف الأساسي الترويج لاسم مرشّح رئاسي ثالث، تقول المصادر إنّ “العمل جارٍ على إنجاح “الخيار الثالث” كفكرة أوّلاً، من دون أن نصل إلى مستوى طرح أيّ اسم بعد. وهذه تستوجب موقفاً متقدّماً من جانب الثنائي بخصوص فرنجية”.
قبل الحرب على غزّة كان التيار لمس وجود مرونة في التعاطي الرئاسي، وكان النقاش بلغ شوطاً متقدّماً حول الخيارات. أمّا اليوم فقد صارت الرئاسة في مهبّ حرب إسرائيل على غزّة، وتنتظر نتائج حرب محور الممانعة في مواجهة الأميركيين والمجتمع الغربي.
هذه الحقيقة لا يسلّم بها باسيل، لكنّها قد تكون ابنة الواقع.