ثمة أبعاد لحرب إسرائيل على غزة تتجاوز الردّ على عملية «طوفان الأقصى»، إذ ترمي إلى تحقيق هدف مزمن لإسرائيل وهو إفراغ غزة من سكانها لتعود تحت سيطرة الاحتلال. تفصح عن ذلك وثيقة رسمية غير معلنة تكشف نوايا الحرب التي تعتبرها إسرائيل «فرصة قد لا تتكرر لسحب غزة من سيطرة «حماس»».
وكشف ديبلوماسي غربي تفاصيل الخطة الإسرائيلية التي تقترح نقل فلسطينيي غزة إلى مصر، وكتب عضو حزب «الليكود» الحاكم في اسرائيل أمير وايتمان إنّ «هناك حالياً فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله بالتنسيق مع الحكومة المصرية في القاهرة».
وتعتبر اسرائيل أنّ الخطة تتوافق والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية لكل من إسرائيل ومصر والولايات المتحدة والسعودية وتقوم على إخلاء قطاع غزة بالكامل بالتنسيق مع مصر. والفكرة ليست وليدة الحاضر، بل سبق وخضعت لنقاش طويل.
ووفق تقرير ديبلوماسي غربي، اطلعت «نداء الوطن» على تفاصيله وتنشر ملخصاً عنه، فقد ورد في الخطة أنّه عام 2017، تبيّن وجود حوالى 10 ملايين وحدة سكنية فارغة في مصر، وفي مدينتي «أكتوبر» و»العاشر من رمضان» القريبتين من القاهرة، هناك عدد كبير من الشقق الفارغة تكفي لاستيعاب حوالى 6 ملايين نسمة.
واذ يتراوح سكان غزة بين 1.4 إلى حوالى 2.2 مليون شخص، قدّرت الخطة مجمل تكاليف مشروع نقلهم إلى مصر بحوالى 5 إلى 8 مليارات دولار. وهو مبلغ يمثّل نسبة تتراوح بين واحد وواحد ونصف في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة إسرائيل، ولذا يمكن تمويلها بسهولة من قبل دولة إسرائيل حتى دون أي مساعدة دولية.
وفي اعتقاد معدّي الخطة انّ لمثل هذا المشروع فائدة هائلة وفورية للنظام المصري، تساعد في دعم اقتصاده. ويمكن أيضاً ضرب المبالغ المعروضة بضعف أو ثلاثة أضعاف وربما بأربعة لحل مشكلة قطاع غزة التي كانت عقبة امام السلام والأمن والاستقرار لسنوات ليس فقط في قطاع غزة، بل في جميع أنحاء العالم (…) وبما يعتبر بمثابة مشروع اسرائيلي لشراء قطاع غزة.
في اعتقاد اسرائيل حسبما ورد في الخطة، أنّ القطاع الخاص في مصر يواجه صعوبة، وإنتاجه شهد تراجعاً خلال 26 شهراً متتالياً. وتبلغ ديون مصر 6% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2022-2023. ووصلت قيمة العجز الصافي في أصولها الأجنبية إلى 26.34 مليار دولار العام الحالي. ويواجه نظام السيسي ضغوطاً كبيرة لسداد ديونه في مواجهة ثقة المستثمرين المنخفضة.
ويثير واقع اقتصاد مصر مخاوف اسرائيل والأميركيين، خصوصاً أنّ الصين هي رابع أكبر دائن للحكومة المصرية بديون تبلغ 7.8 مليارات دولار حتى حزيران الماضي، وتساعد في تلبية التزاماتها. وبينما بدأت الصين تحاذر الاستثمار في مصر في ضوء التحديات المالية التي تواجهها، كانت مصر تخطط للحصول على قرض يبلغ حوالى نصف مليار دولار في سندات تتألف أساساً من اليوان الصيني لمشروع «العاصمة الجديدة لمصر» ومشاريع أخرى مثالية. لكن الصين تركز حالياً على علاقتها بدول الخليج، وفي حال غرقت مصر في الديون، فستنشأ عواقب جيوسياسية هامة وواسعة النطاق للمنطقة ما يشكل مصدر قلق كبيراً بالنسبة للولايات المتحدة، لأنّ عدم الامتثال المصري لإلتزاماتها تجاه الصين، يعزّز احتمال استيلاء الصين على أصول استراتيجية في مصر وسيكون هذا الأمر كارثة بالنسبة للولايات المتحدة. والدائنون الآخرون لمصر مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية أيضاً لا يرغبون في مشاهدة الفشل الكامل للاقتصاد المصري، لذا لديهم أيضاً حافز للمساهمة في تعويم الاقتصاد المصري حتى من خلال الاستثمار الإسرائيلي في إعادة تأهيل سكان قطاع غزة في الشقق الموجودة في مصر. بالنسبة الى دول أوروبية، خصوصاً دول غرب أوروبا، نقل سكان غزة إلى مصر وإعادة تأهيلهم مع تقليل مخاطر الهجرة غير القانونية إلى أراضيهم هو فرصة هائلة، وتعتزم السعودية أيضاً تقديم دعم كبير.
ومن وجهة سياسية فإنّ إخلاء قطاع غزة يعني القضاء على حليف مهم لإيران ومساهمة كبيرة في استقرار المنطقة، وبالتالي السماح بتعزيز السلام مع إسرائيل.
حسب الخطة فإنّ هناك دولاً، مثل السعودية، تحتاج إلى عمالة ماهرة في البناء كسكان غزة للعمل في مشاريع مهمة كمشروع «نيوم» السعودي. ومن الممكن التوصل إلى هذه الصفقة بين مصر وإسرائيل خلال أيام قليلة بعد بدء تدفق المهاجرين من غزة إلى مصر عبر معبر رفح. واليوم بالفعل، هناك مئات الآلاف من سكان غزة الذين يرغبون في مغادرة القطاع حسب الخطة الإسرائيلية.
وتختم الخطة بأنّه على «الجيش الإسرائيلي توفير الظروف المناسبة لسكان غزة للهجرة إلى مصر، بالتعاون المصري من الجانب الآخر من الحدود، وهذا سيضمن إمدادات مستقرة ومتزايدة من الغاز الإسرائيلي إلى مصر وإسرائيل (.. ) وهي فرصة مؤاتية (على وقع الحرب التي تشنّ على غزة) وليس من الواضح متى ستنشأ مثل هذه الفرصة مرة أخرى، إن وجدت. وقد حان الوقت للعمل الآن».