أجّل مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت أمس البتّ بطلب وزير الإتصالات جوني القرم «الموافقة على توقيع عقد تشغيل قطاع البريد مع تحالف شركتي ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية وColis Priv France»، وأعاد الكرة مجدداً إلى ملعب القرم، من خلال تكليفه «رفع تقرير نهائي ومفصّل حول الموضوع تمهيداً لإتخاذ القرار المناسب». وذلك بعد أن استمع في جلستين متتاليتين إلى رئيس ديوان المحاسبة محمد بدران ورئيس هيئة الشراء العام جان العلية، واللذين أعادا التأكيد على «المبادئ القانونية» التي بنيت على أساسها تقاريرهما الصادرة حول التلزيم، وكانت نتيجتها رفض الصفقة مرتين من قبل ديوان المحاسبة، وتوثيق ملاحظات عديدة من قبل هيئة الشراء العام.
كان مجلس الوزراء يتجه، بحسب المعلومات، إلى تفويض وزير الإتصالات التفاوض مع «التحالف» المذكور لتحسين موقع الدولة في العقد، بالإضافة إلى المساومة على فترة الإلتزام، مع إمكانية تقصير مهلته. إلا أنّه بناء لملاحظة أبداها القرم حول أنّ «العرض غير قابل للتعديل أو للرجوع عنه» وفقاً لقانون الشراء العام، صدر قرار مجلس الوزراء بصيغته النهائية، على أن يوضع تقرير وزير الإتصالات على طاولة جلسة مجلس الوزراء المقبلة، ويتخذ قراره النهائي بشأنه. هذه الخلاصة التي إنتهت إليها جلسة مجلس الوزراء بعد استماعها إلى ممثلي الهيئات الرقابية، تشكل وفقاً لمرجع قانوني «بدعة». فمجلس الوزراء وفقاً للمصدر «ليس محكمة نقض أو تمييز لقرارات ديوان المحاسبة أو هيئة الشراء العام. وقد أعطي بمقتضى المادة 41 صلاحية كسر قرار ديوان المحاسبة، ليس لكونه صاحب الصلاحية بتقدير قانونية القرار، بل لإعتبارات تتعلق بمصلحة البلد، وهذه سلطة محصورة ولا تمارس إلا في حالات الضرورة القصوى». وبالتالي اعتبر المصدر أنّ «تكليف الوزير القرم بالملف مرة ثانية بعد السماع لرئيس الديوان ورئيس هيئة الشراء العام، ليست نقطة لصالح مجلس الوزراء بدعمه لمسيرة دولة القانون والمؤسسات الرقابية».
توتر في الجلسة
وكان ملف البريد قد وتّر أجواء جلسة مجلس الوزراء التي استهلت بالإستماع إلى كل من القرم والعلية بحضور رئيس ديوان المحاسبة. وفيما التزم العلية وفقاً للمعلومات بملاحظاته التي دوّنها في تقاريره المرسلة إلى وزارة الإتصالات، بدءاً من مرحلة تعديل دفتر الشروط وحتى صدور التقرير التقني الأخير، أخرج القرم ما لديه من «محادثات خاصة»، وآراء جانبية جرى تبادلها مع العلية، ووضعها بمواجهة التقارير التي أصر العلية على مضمونها قبل أن يغادر مع بدران الجلسة.
نقاط أساسية عدّة طرحت في ما يشبه المناظرة على طاولة مجلس الوزراء غير المكتملة. وكان أبرزها تمسك القرم بموقفه القائل إنّ تقرير هيئة الشراء العام الأخير لم يرفض الإلتزام. واعتبر القرم أنّ عرض الملف على الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة لم يكن ملزماً «إذ إننا نبيع ولا نشتري» مستنداً إلى المادة 24 من قانون الشراء العام. وأشار بالتالي إلى أنه مرّر الملف على ديوان المحاسبة «بكل نية طيبة» بناء لنصيحة العلية.
إلّا أن رأي العلية كان مخالفاً، إذ عاد للمادة 34 من تنظيم ديوان المحاسبة، والتي في ما خص الواردات، تخضِع لرقابة الديوان المسبقة معاملات تلزيم الإيرادات عندما تفوق قيمتها الخمسة ملايين ليرة لبنانية»، مذكراً بأنّ رقابة ديوان المحاسبة وفقاً للمادة 33 من التنظيم «هي من المعاملات الجوهرية وكل معاملة لا تخضع لهذه الرقابة تعتبر لاغية، ويحظر على الموظف وضعها موضع التطبيق».
عدم جدية في التعاطي
وفيما كان تأكيد من العلية بأن وزارة الإتصالات لم تأخذ بأي من ملاحظاتها، وهي لم تأخذ حتى بملاحظاتها حول أخطاء لغوية شكلية طالبت بتصحيحها منذ سنة 2021 وهذا ما اعتبره مؤشراً حول عدم جدية تعاطي الوزارة مع الملف… قال القرم في المقابل: «إنني مع بعض الملاحظات التي وضعتها هيئة الشراء العام على التلزيم، وكنت أتمنى أن يكون هناك عشرة عارضين، ويكون لدي هامش وقت أطول، ولكن هل نحن في وضع طبيعي لنتوقع ذلك»؟
وبعدما كشف القرم أسباب جعلت الوزارة لا تأخذ ببعض الملاحظات، رد العلية بأن ديوان المحاسبة هو المرجعية الصالحة للنظر فيها. وبالتالي رفض الذرائع التي قدمها الوزير للسير بالعارض الوحيد. وأشار إلى أنّ الهيئة لا يمكنها أن تتحدث عن توفر شروط المنافسة بوجود عرض وحيد.
العرض الوحيد بالمقابل إستغرق جانباً طويلاً من النقاشات، إذ أثيرت مسألة عدم جدية الشركات التي طالبت بتمديد المهل، وكشف القرم أنّ أحدها لا يملك ما يؤهله للمشاركة في الإلتزام، بينما إعتبر العلية أن هذا الكلام بمثابة أحكام مسبقة، وجدية العارضين تظهر بعد توفير الفرص المتساوية، وفتح العروض.
نقطة أخرى أثيرت في الجلسة وتتعلق بتحديد الحد الأدنى من حصة الدولة في الواردت والتي ذكرت هيئة الشراء العام أنه لم تجر أي دراسة لتحديدها. الأمر الذي أكد القرم أنه تم فعلياً، من خلال الإستعانة بالمسؤول المالي لليبان بوست. في وقت إعتبر العلية وفقاً للمعلومات أن ما تحدث عنه القرم ليس دراسة، إنما إجتماع. بينما الدراسة هي عبارة عن معادلات مالية.
ماذا عن وسام عاشور؟
وقال القرم لـ»نداء الوطن» إنّه أعاد التأكيد «أنه ليس صاحب مصلحة شخصية من التمسك بالتلزيم، وإنما منطلقه رفض التمديد لليبان بوست، وهو مقتنع بالتالي أن هناك من يريد تدمير القطاع ليلزّم مجاناً لوسام عاشور وكيل شركة غانا بوست». هذا مع العلم أن الأخير ورد ذكره وفقاً للمعلومات في الجلسة. إذ كشف الوزير أن عاشور زاره بعد جلسة التلزيم الثانية ووضع لائحة بشروط طالب تعديلها، من ضمنها خفض حصة الدولة من الإيرادات إلى 7 بالمئة. ولفت القرم إلى أنّ «غانا بوست» سحبت دفتر الشروط ثلاث مرات ولم تتقدم بأي عرض. ورفض «بأن يُتهم بتبديد أموال بناء لإستنتاجات بنيت على دراسات إفتراضية»، بينما حتى هذه الدراسات الإفتراضية برأيه تظهر أنّه أمّن للدولة مداخيل إضافية.
وشدد على أنه ليس من المتحمسين أيضاً لإعادة ما سماه «كرة النار» إلى ملعبه. وكان يفضل أن يأخذ مجلس الوزراء القرار النهائي حول ما يجب فعله، محذراً من «أن التوجه لإطلاق مزايدة جديدة ستعني إضاعة سنتين إضافيتين على الأقل، قد نخسر خلالهما هذا القطاع، خصوصاً أن ليبان بوست خسرت حالياً معظم عقودها حتى مع الدولة».
وفيما أشار «إلى أنه من خلال وضعه كل المحادثات وما دار «بين سطور التقارير» على طاولة مجلس الوزراء، أراد أن يبرئ ذمته وأن يكون شفافاً»… علّق العلية في تصريح لـ»نداء الوطن» بالقول: «إننا كهيئة شراء عام تعاونا مع الوزير القرم بكل إحترام ومحبة ووضعنا الخبراء بتصرف الوزارة لإنجاح المزايدة، ولكن نأسف لأن الوزير القرم يستغل هذه الإيجابية لأخذ تقرير هيئة الشراء العام كصك براءة للصفقة».
وكرر العليّة ما قاله في مجلس الوزراء «بأننا لا نحكم على الأشخاص إنما على المسار القانوني للصفقة، وحيثما نجد إنحرافاً سنقول أن هناك إنحرافاً، وحيث نجد أن المسار صحيح نقول إنه صحيح».
كيف سينتهي الجدل؟
وفقاً لمصدر في ديوان المحاسبة، في ما يتعلق بأجهزة الرقابة إنتهى عملها عند هذا الحد عملاً بمبدأ فصل السلطات. الشراء العام أعطت ملاحظاتها خطياً، والديوان تبنى هذه الملاحظات وأصدر قراره، والقرار كما الملاحظات واضحة. فكيف يحدد مجلس الوزراء موقفه من هذا الملف في جلسته المقبلة؟