جميع السيناريوهات القانونية المطروحة، من دون استثناء، لحسم التمديد لقائد الجيش لا تعكس “مَكمن” الحلّ لمسألة تُختصر بكلمتين: القرار السياسي!
يوم تمّ تأجيل تسريح قائد الجيش السابق جان قهوجي ثلاث مرّات، وإن بظروف سياسية مختلفة تماماً، مدّد له الرئيس نبيه برّي والحزب بالسياسة رغماً عن إرادة ميشال عون وجبران باسيل و”تفاهم مار مخايل” إلى حدّ تهديد عون بالنزول إلى الشارع اعتراضاً. وحين تسلّم وسيم منصوري مسؤوليات حاكم مصرف لبنان كان القرار سياسياً بالدرجة الأولى بغضّ النظر عن وضوح النصّ القانوني الذي يتيح هذا الانتقال. وحين فشل التمديد للمدير العامّ للأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم، على الرغم من وجود مخرج قانوني لبقائه، اتّخذ القرار بالسياسة حصراً.
القطبة في القرار السياسيّ
راهناً، المخارج القانونية في ما يخصّ إبقاء قائد الجيش في موقعه متاحة فعلاً، إن كان في مجلس النواب أو في الحكومة، لكنّ القطبة في القرار السياسي فقط. ثمّة شهران كاملان يَفصلان عن موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل، وقد تشهد هذه الفترة تطوّرات كثيرة مرتبطة بملفّ التمديد والتعيينات العسكرية. بالتأكيد، لا أحد “مُستعجِل” لحسم التمديد من عدمه أو إقرار التعيينات سوى قائد الجيش الذي يكرّر دوماً مقولة “الجيش لا يحتمل اهتزاز القيادة داخله”، كما أنّ التمديد يعني الكثير للمنافس لفرنجية لرئاسة الجمهورية. أمّا البقيّة فتناور وتصفّي الحسابات و”تتذاكى” وتُزايد أو تبقي ورقتها مخفيّة حتى اللحظة الأخيرة كالثنائي الشيعي.
مسيحياً، نحن أمام موزاييك يُدوّخ: “القوات اللبنانية” تغطّي “تشريع” التمديد في مجلس النواب بعد عام من المقاطعة. “الكتائب” تبقي على مقاطعتها للبرلمان وتغطّي تأجيل تسريح قائد الجيش في الحكومة من دون وزير الدفاع. جبران باسيل يرفض بشكل قاطع إبقاء العماد عون لحظة واحدة في موقعه بعد 10 كانون الثاني وأخيراً سُمِع يقول “بروح على بيته مثله مثل الباقيين”، وسليمان فرنجية يرفض التمديد له لكنّ موقفه “قابل للنقاش” بالتنسيق مع الحزب على قاعدة: فصل التمديد عن رئاسة الجمهورية.
فعليّاً، يعيش باسيل وفرنجية “فوبيا” إبقاء جوزف عون مرشّحاً أوّل لرئاسة الجمهورية في حال التمديد له
مسيحياً أيضاً تُسجّل “القوات” و”الكتائب” أمام الرأي العام المسيحي نقطة أساسية على باسيل “المُستهتِر” برأيهما بالموقع الماروني الأوّل بعد رئاسة الجمهورية، إلى درجة “تحضير” مكتب القائد لدخول ضابط درزي إليه يُعيّن في مجلس الوزراء بغطاء من العونيين، وقد يبقى طويلاً على رأس المؤسسة العسكرية في حال استمرار الشغور الرئاسي وتطوّر حرب غزّة نحو الأسوأ.
“فوبيا” جوزف عون
فعليّاً، يعيش باسيل وفرنجية “فوبيا” إبقاء جوزف عون مرشّحاً أوّل لرئاسة الجمهورية في حال التمديد له، لكنّ “عقدتهما” السياسية من القائد تقلّل من منسوب الواقعية السياسية لديهما القائمة على معادلة واضحة: لو مُدّد لقائد الجيش لسنة أو سنتين تبقى حسابات الرئاسة في مكان آخر تماماً. وجوزف عون لن يُنتخب رئيساً، وفق نائب بارز مطّلع على مفاوضات الكواليس، من دون ضوء أخضر من الحزب قبل الضوء الأخضر الأميركي.
فيما يكتنف الغموض “القرار الشيعي” المرتبط بالتمديد لقائد الجيش يبقى همّ بعض النواب السنّة ربط التمديد لقائد الجيش بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
لكن حتى اللحظة يبدو الأمر غير وارد في ظلّ تقدّم احتمال سقوط مشروع التمديد لقائد الجيش أصلاً، ولأنّه لا وجود لـ “تيّار سنّيّ” كاسح يحصّل حقوق عثمان بالتمديد. أمّا ميقاتي فلا غبار على تأييده التمديد لعون في ظلّ موقف جنبلاطي، في الشكل أقلّه، يدفع بهذا الاتّجاه. يكفي أنّ قراراً كهذا كفيل بتوجيه صفعة قاسية لجبران باسيل.
وفق معلومات “أساس” فاتح باسيل الثنائي الشيعي ورئيس الحكومة ووليد جنبلاط بسلّة تعيينات تشمل قائد الجيش والمجلس العسكري في الجيش وتعيين المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي وملء الشغور في مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي وتعيين مدير عامّ للأمن العام بموجب مراسيم تحمل تواقيع 24 وزيراً، لكن لم يُرصَد أيّ تجاوب مع هذا الطرح الذي بدا فيه باسيل بحالة انفصال كامل عن الواقع، مع العلم أنّ قريبين من باسيل يقولون إنّ ما طرحه يقتصر على تعيين قائد جيش ورئيس أركان، وفي أقصى الحالات الاكتفاء بملء شغور رئاسة الأركان وتسلّم الضابط الأعلى رتبة مهامّ القائد.
فيما يكتنف الغموض “القرار الشيعي” المرتبط بالتمديد لقائد الجيش يبقى همّ بعض النواب السنّة ربط التمديد لقائد الجيش بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان
باسيل يُعاير “القوات” بـ “خروجها عن مبادئها” بسبب كسر موقفها بمقاطعة التشريع من أجل التمديد لقائد الجيش، فيما يرى كثيرون أنّ الموقف القوّاتي بغضّ النظر عن طابعه الذي يأخذ شكل المزايدات المسيحية هو مُبرّر تأميناً لمصلحة الأمن القومي في ظلّ مرحلة بالغة الخطورة وعدم جود بدائل قانونية من داخل المؤسّسة العسكرية.
في المقابل لا يرى باسيل نفسه منقلباً على “أطروحاته” في الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية حين يغطّي تعيين قائد جيش ورئيس أركان ومجلس عسكري في ظلّ عدم وجود رئيس في قصر بعبدا، ويُكرّس حالة “الوكيل” في الموقع الماروني الثالث الشاغر بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان.
مع ذلك، بعض الخبثاء أو المحنّكين في السياسة يرون أنّ الثنائي الشيعي قد يبقي ورقة التمديد بيده حتى اللحظة الأخيرة لسببين أساسيَّين:
-الأوّل التأكّد من مدى مصلحة الرئيس برّي أولاً ثمّ الحزب في “مقاومة” القرار الأميركي الواضح بإبقاء قائد الجيش في موقعه، خصوصاً أنّ المعلومات تفيد بأنّ الحزب تبلّغ رسمياً هذا القرار.
-الثاني أنّ تغطية الحزب للتمديد، وبقاء جوزف عون بالتالي مرشّحاً “طبيعياً” أو محتملاً للرئاسة، يجعل التعاون بين الطرفين في هذا الظرف أفضل بكثير حيث إنّ القائد، برأي مطّلعين، قد يحسب حسابات أكثر في كيفية مراعاة ما يطلبه أو ما يريح الحزب، ولأنّ الحزب نفسه قد لا يكون مرتاحاً لعملية التبديل في القيادة في هذه المرحلة، طالما أنّ التنسيق مع قائد الجيش الحالي ترعاه آليّة مرنة ومُنتِجة.