منذ بدأت الحرب على غزّة وفتحت جبهة الجنوب حيث الأراضي المحتلّة إسرائيلياً واجه الحزب مواقف معارضة وارتفعت أصوات المتخوّفين من أن يجرّ لبنان المنهك إلى حرب لا تحمد عقباها. لم تكن حدّة المعارضة شبيهة بتلك التي شهدها خلال حرب تموز في عام 2006، وصداها لم يكن كبيراً في ظلّ خروج موقفين التقيا على مؤازرة الحزب في موقفه العسكري والسياسي من حرب إسرائيل على غزّة هما رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع أصوات عدد من النواب السنّة.
باسيل والحزام للحزب
ظهرت تلك المواقف بوضوح في أعقاب جولة باسيل التشاورية على القوى السياسية التي نال من خلالها باسيل حزام أمان وطني للحزب في المواجهات التي يخوضها ضدّ إسرائيل على الحدود الجنوبية المحتلّة. قالها صراحة: ندعم المقاومة الفلسطينية من الداخل الفلسطيني ونرفض استخدام لبنان كمنصّة، لكنّه دعم بالمقابل الحزب إزاء أيّ عمل عدواني تقترفه إسرائيل يستوجب ردّاً من الحزب. وفي أعقاب اجتماع الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر وإن جرى التأكيد على ضرورة القيام بكلّ ما يلزم لتحييد لبنان عن الحرب، فقد دعا “التيار اللبنانيين جميعاً إلى الالتزام بحقّ لبنان الدفاع عن نفسه في مواجهة أيّ اعتداء إسرائيلي وإلى الاستعداد لمواجهة كلّ الاحتمالات في ضوء المسار الإسرائيلي بتصعيد أعمال العنف، وعدم الخوف والهلع كون إسرائيل لا يمكنها أن تكون منتصرة”.
كسر باسيل حدّة الموقف المسيحي المعارض للحزب وأظهر موقفاً مختلفاً عن القوات والكتائب. فكان ذلك سبباً في رفض كلا الحزبين استقباله في جولته التشاورية تجنّباً لإعلان ما يمكن فهمه على أنّه تغطية للحزب. وقد وصلت رسائل لباسيل جاء فيها صراحة أنّه إن أتيت يمكن أن يقتصر البحث على موضوع الرئاسة وإلّا فلا جدوى.
كرّس باسيل خروجه مجدّداً عن السياق المسيحي الرافض للتلاقي مع الحزب لجهة حربه ضدّ إسرائيل، ولم يتماهَ مع المواقف الدولية التي حذّرت من مغبّة أن يؤدّي ذلك إلى حرب قاسية تشنّ على لبنان.
عودة التناغم
تقول كلّ الاتصالات والزيارات المتبادلة على خطّ الضاحية -ميرنا الشالوحي إنّ العلاقة بين باسيل والحزب عادت إلى سابق عهدها من التوافق والتناغم السياسي والتفاهم المشترك.
ثلاث نقاط يتحدّث عنها الحزب في علاقته مع باسيل:
1- متانة علاقته مع المقاومة وجمهورها.
2- ظهوره المستمرّ كصاحب مبادرة.
3- موقفه السياسي الأخير من الحرب الإسرائيلية على غزّة.
جاءت الأحداث الأخيرة لتعيد تعزيز العلاقة، وقد أظهر الاتصال الذي حصل بين السيد نصر الله وباسيل أنّ الأخير ما يزال يحظى بمكانته كحليف يحرص الحزب على وضعه في تفاصيل الأمور قدر الإمكان بشهادة تفاصيل اللقاءات التي تحصل بين الجانبين.
لمس الحزب وجود رغبة عند باسيل للتواصل مع كلّ الأطراف لإعادة إطلاق البحث بالملفّ الرئاسي من جهة وتأمين توافق وطني في حال أيّ عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان من جهة أخرى. كانت جولته قيد المتابعة وقدّر له زيارته المهمّة للمرشّح سليمان فرنجية وإن لم يتحدّثوا بتفاصيل الموضوع الرئاسي أو خرجوا باتفاق بشأنه، فمجرّد كسر الجليد يُعدّ إنجازاً.
يشهد الحزب لباسيل أنّه “صاحب مبادرة ويتصرّف كقائد قوة سياسية وازنة في البلد”، وأنّ “موقفه الذي اتّخذه كان موضع تقدير واحترام عند قيادة الحزب”. وقد أثبت من خلاله مجدّداً أنّه “بالاستراتيجية لا يخطئ الهدف، وهذا الموقف يذكّر بموقفه خلال حرب تموز”. ويكشف مصدر قريب من الجانبين أنّ قيادات كثيرة في التيار الوطني الحر أبدت استعدادها في حال حصول تطوّرات أمنية على الجبهة مع إسرائيل لفتح منازلها ومحالّها لاستقبال أهالي الجنوب، “وهذا موضع تقدير” من قبل الحزب على ما تقول المصادر القريبة التي قالت إنّ من المنتظر أن تنعكس كلّ تلك الأجواء أكثر فأكثر على ترتيب العلاقة وترسيخها مجدّداً ومنحها دفعاً جديداً. وتنقل عن أحدهم قوله: “باسيل حليف يحسن في الأوقات المفصلية التصرّف ويدرك تقدير الظروف، وهذا ما خلّف انطباعاً جيداً لدى قيادة الحزب كما لدى القواعد، ومن شأن ذلك أن يتبلور أكثر في العلاقة في الأيام المقبلة”.
ماذا عن الرئاسة؟
السؤال هنا كيف سيكون انعكاس تحسّن العلاقة بين الطرفين على مجمل الملفّات الداخلية المطروحة، وأهمّها انتخابات الرئاسة والتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وصولاً إلى الحكومة. بدا واضحاً أنّ الحزب على الرغم من الظروف التي تشغله وتشكّل أولوية لديه فهو ما يزال متمسّكاً بترشيح فرنجية، وبالمقابل لم يبدّل اتصال باسيل بالسيّد موقف الأول الذي بقي مصرّاً خلال جولته على معارضة انتخابه. ربّ قائل إنّ الحزب بخروجه ومحوره منتصرين من حرب غزّة سيكون أكثر تعنّتاً وتمسّكاً بموقفه إزاء فرنجية من ذي قبل. أمّا في موضوع التمديد لقائد الجيش فقد بدا واضحاً رفض الحزب التمديد تجنّباً لاستفزاز باسيل وإن كانت له حساباته ومصالحه التي تجعل قراره رهينة اللحظات الأخيرة.
تلاقي باسيل مع الحزب في الاستراتيجية وموقفه الوطني الداعم للحزب في جبهته الجنوبية لكن ليس على حساب الرئاسة التي بات مصيرها مرتبطاً بنتائج حرب غزّة أوّلاً.