شهرٌ مضى على حرب الإبادة الشاملة التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، وليس معلوماً ما يخبئه بَعد العقل الإسرائيلي الجهنّمي لإكمال أفظع جريمة تُرتكب في تاريخ البشرية. وفي موازاة ذلك، كرة نار تتدحرج صعوداً على حدود لبنان الجنوبية، باتت مع الوقائع العسكرية المتسارعة عليها، على مشارف الدخول السريع في مدار الاحتمالات المفتوحة على وقائع حربية أوسع وأكبر تتخطّى كلّ ما تُسمّى ضوابط أو قواعد اشتباك.
الوضع على الحدود الجنوبية ما فوق التوتر الشديد، حيث يبدو مع العمليات العسكرية المتصاعدة مربوطاً بشعرة رفيعة آيلة للانقطاع في اي لحظة، بما قد يطوي مرحلة الانضباط بقواعد الاشتباك المعمول بها منذ العام 2006، ويفتح مرحلة جديدة بلا قواعد، تفلت فيها الامور نحو حرب أشدّ واوسع. والتطور الاخير الذي تجلّى بارتكاب العدو الاسرائيلي مجزرة بحق المدنيين اللبنانيين بين عيناتا وعيترون ذهبت ضحيتها ثلاث فتيات ريماس وتالين وليان شور، وجدّتهم سميرة عبد الحسين أيوب شهيدات وسيتم تشييعهن اليوم، وما تلاها من انتقال «حزب الله» إلى وتيرة جديدة في العمليات العسكرية بالردّ المباشر على عمق المستوطنات الاسرائيلية، خلقا وضعاً شديد التأزّم، بدا وكأنّ كرة النار قد بدأت تتدحرج بالفعل نحو إيقاظ الجحيم الكامن تحت الرماد.
على انّ اللافت في موازاة هذا التطور، هو انّ الساعات الاخيرة سجّلت سخونة ملحوظة في حركة الاتصالات، وبحسب معلومات موثوقة لـ»الجمهورية» فإنّ مستويات ديبلوماسية غربية وغير عربية تواصلت مع مسؤولين وجهات رسمية لبنانية في محاولة لاحتواء التوتر على الجبهة الجنوبية، وتجنّب الانزلاق إلى مواجهة أكبر. وبحسب المعلومات، فإنّ هذه الاتصالات تقاطعت عند الرغبة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان، وخصوصاً على الجبهة الجنوبية، وحملت تأكيداً اميركياً متجدداً بأنّ اسرائيل ليست راغبة في الدخول في مواجهة مع «حزب الله» في لبنان.
وتكشف مصادر المعلومات، انّ الجواب عن ذلك جاء ليفيد بأنّ لبنان كان ولا يزال في موقع الدفاع عن النّفس في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة التي تنفّذها على الأراضي اللبنانية، ثمّة قواعد اشتباك معمول بها، وعلى رغم سقوط عدد كبير من الشهداء لدى «حزب الله» فإنّ الحزب بقي ملتزماً بتلك القواعد، الّا أنّ اسرائيل خرقت تلك القواعد باستهداف المدنيين على طريق عيناتا – عيترون ما ادّى الى استشهاد الفتيات الثلاث وجدّتهن، وقبلها قتل الراعيين الشابين قرب الحدود، وقبلها ايضاً قتل الصحافيين. وبالتالي ما تقوم به اسرائيل يؤكّد بلا أدنى شك انّها تتعمّد أن تُدحرج كرة النّار في اتجاه الانفجار.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر مسؤولة لـ»الجمهورية»، انّ عدداً من السفراء والديبلوماسيين تواصلوا خلال الايام الثلاثة الاخيرة من الاسبوع الماضي، مع مستويات وشخصيات لبنانية سياسية وغير سياسية، تركّزت في معظمها على خطاب الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، محاولةً الحصول على اجابات حول ما قصده بالاحتمالات والخيارات المفتوحة. ومشدّدة في الوقت نفسه على عدم توتير الجبهة الجنوبية. وفي هذا السياق كانت للمسؤول الاميركي آموس هوكشتاين اتصالات هاتفية متعددة مع عدد من المسؤولين، وبعض هذه الاتصالات جرى في ساعة متأخّرة من الليل.