لثلاث مرات، فشلت الحكومة في اتخاذ قرار يتعلق بقيادة الجيش، تمديداً أو تعييناً أو تأجيل تسريح، فيما الساعون إلى تمديد ولاية القائد الحالي العماد جوزيف عون، لم يتراجعوا، لا داخلياً ولا خارجياً، والرسائل التي ينقلها دبلوماسيون من الخارج لا تزال ترى في التمديد حلاً مناسباً في ظل الأزمة الرئاسية.وكشفت مصادر مطّلعة أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري التقى عون وأبلغه بأن الرياض تدعم بقاءه في منصبه، ولا تمانع وصوله إلى رئاسة الجمهورية. البخاري قال لقائد الجيش، صراحة، إن السعودية لا تزال تعمل وفق قرار عدم التورط في أي عملية سياسية لبنانية داخلية، لكنه لفت إلى أن «حلفاءنا، مثل القوات اللبنانية وغيرها، يقفون إلى جانبكم».
موقف البخاري تعكسه السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بطريقة أكثر وضوحاً، إذ تصر على أن التمديد لقائد الجيش هو «الحل الأمثل في ظل الظروف الحالية، سواء المتعلقة بالوضع في المنطقة أو بالمؤسسة العسكرية نفسها». وهي لا تخفي دعم بلادها لوصول عون إلى رئاسة الجمهورية، وتمارس ضغوطاً ليس فقط على القوى الحليفة لها، بل أيضاً على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يؤكّد أنه لا يمانع التمديد لعون، لكن يشير إلى أن هناك حاجة إلى شبه إجماع داخلي عليه، أو إلى تخريجة قانونية غير متوفرة حتى الآن.
وسط هذا الجمود، وصل المبعوث الأمني القطري «أبو فهد» إلى بيروت. وهو بدأ لقاءاته، وأثار مع الثنائي «أمل وحزب الله»، مسألة قيادة الجيش من زاوية علاقتها بالاستحقاق الرئاسي. وقال القطريون إنهم لا يزالون عند استعدادهم لإدارة تسوية رئاسية. وأوضح أن المرشحَيْن المتنافسَيْن اليوم هما قائد الجيش ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وأن الأول تعارضه غالبية إسلامية وقوة مسيحية وازنة، بينما ترفض الثاني غالبية مسيحية مطلقة وأقلية إسلامية. وبالتالي، يجب أن يخرج الاثنان من السباق لمصلحة اسم لا يغضب الجميع، معيداً الحديث عن ترشيح المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.
وفيما يقارب الموفد القطري الأمر من باب الرئاسة إلا أنه ينتهي بالاستحقاق المتعلق بقيادة الجيش بعد إحالة عون إلى التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل، مشدّداً على أن وضع المؤسسة العسكرية لا يحتمل فراغاً في منصب القائد، وطالما أن هناك مشكلة سياسية أو قانونية في تعيين بديل، فإن الأفضل التمديد له، وفي هذه الحالة لن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
الموفد القطري لم يتلقّ أجوبة من مضيفيه، لكنه سمع، هو وآخرون، بأن اقتراحه يعكس الفكرة الأميركية نفسها، وأن القطريين يخدمون عملياً الأجندة الأميركية بمحاولة «تمرير العماد عون على مرحلتين، الأولى من خلال التمديد له في قيادة الجيش، وبالتالي إبقاؤه مرشحاً قوياً للرئاسة ليخرج من يعاود خوض معركة إيصاله إلى القصر الجمهوري». ونُقل عن مسؤول بارز قوله إن «القطريين يحاولون أن يتصيّدونا مرتين، ولكن بالطعم نفسه».
وفي عودة للنقاش في المخارج، يبدو أنه تمّ استبعاد فكرة مشاركة وزير الدفاع موريس سليم في اجتماع الحكومة حاملاً مقترحاً لتشكيلات جديدة لقيادة الجيش تشمل القائد وأعضاء المجلس العسكري. وقالت مصادر معنية إن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لا يزال يعترض على حضور سليم مجلس الوزراء، وإن لدى التيار الرد القانوني على أي محاولة لتجاوز الوزير في تعيين قائد جديد أو التمديد للقائد الحالي. وأكّدت أن أي قرار يتجاوز وزير الدفاع سيتم الطعن فيه وإبطاله قانونياً، وبالتالي، لن يتعامل مع أي نتيجة لقرار حكومي يتجاوزه، وسيلجأ إلى رفض التعامل مع أي مذكّرات إدارية تصدر عن قائد ممدّد له أو قائد معيّن من دون موافقته. ولفتت مصادر قانونية رئيسَ الحكومة إلى أن هذا الأمر قد يعطّل عمل المؤسسة العسكرية.
أما بشأن الذهاب إلى مجلس النواب، فإن الرئيس نبيه بري لا يزال يرفض فكرة أن يُفرض عليه خيار كهذا، وإنه، كغيره من القوى السياسية، يعتبر أنه يجب التعامل مع الأمر كما جرى التعامل مع الشغور في منصبَي حاكم مصرف لبنان والمدير العام للأمن العام، وأنه ينبغي تعيين رئيس جديد للأركان يتولى قيادة الجيش في حالة الشغور.
ويبدو أن بري وحزب الله أقرب إلى الرأي الذي يقول إنه في حال قرّرت الحكومة تعيين قائد جديد للجيش، فهذا يفرض عليها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان ومدير عام أصيل للأمن العام، أو التعامل مع شغور قيادة الجيش كما تم التعامل مع المناصب الأخرى، واتّباع ما يفرضه القانون.
وكانت الأوساط السياسية تداولت في فكرة أن يحضر وزير الدفاع جلسة حكومية تكون مخصّصة حصراً لمناقشة ملف قيادة الجيش، وأن يعرض عدة أسماء لتعيينها بدلاً من العماد عون، بناءً على كتاب تلقّاه قبلَ حوالي شهر من رئيس الحكومة يطلب فيه رفع الأسماء للتعيين في رئاسة الأركان، ما يشكل إحراجاً لميقاتي. لكنّ مصادر سياسية بارزة أكدت لـ«الأخبار» أن الملف جرى ترحيله إلى الشهر المقبل لعدم اكتمال عناصر القبول حول أيّ من الخيارات المطروحة.
ومع مُضيّ نحو شهر ونصف شهر على تكليف ميقاتي الأمين العامّ لمجلس الوزراء محمود مكية بإعداد دراسة قانونية (جلسة 12 تشرين الأول) لملء الشغور في القيادة العسكرية، قالت مصادر مطّلعة على الدراسة التي أُنجزت إنها غير كافية لضمان عدم تقديم الطعن، وبالتالي هذا ما يجعل ميقاتي حتى الآن يربط الحل بالتوافق السياسي. مع ذلك، لم يُفتح الباب أمام الخيارات الأخرى المتوافرة. خصوصاً أن ميقاتي، أكد أنه لن يسير بفكرة «يعترض عليها المسيحيون». وقد أدّت كل هذه العناصر إلى «تعليق» البحث في ملف قيادة الجيش في الوقت الحالي، حتى ظهور معطى جديد يسمح بذلك.