ماكرون من جديد في المنطقة: أين المبادرة؟

إيمانويل ماكرون من جديد في المنطقة نهاية الشهر الجاري في زيارة ستقوده إلى دولة الإمارات العربيّة والمملكة السعوديّة ومصر. هذا ما تؤكّده مصادر قريبة من الإليزيه.
في الإمارات سيشارك الرئيس الفرنسيّ في اجتماع القمّة العالميّة المنعقد في أبو ظبي والذي يسبق انطلاق المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ “COP28” (30 تشرين الثاني – 12 كانون الأول). قمّة يحضرها رجال سياسة ورجال دين. وموضوعها أزمة التلوّث المناخيّ في العالم. بيد أنّ كارثة الحرب على غزّة، التي تهدّد بـ “تلوّث” المنطقة بالحروب بسبب وحشيّتها وتداعياتها الجيوسياسيّة، ستكون حاضرة بقوّة في القمّة وفي المؤتمر، وسترافق الرئيس الفرنسيّ في زيارته.
تبدّل الظروف بين الزيارتين
الظروف التي رافقت زيارة ماكرون الأولى للمنطقة بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) كانت مختلفة عمّا هي اليوم. حينذاك كان الدعم لإسرائيل في تصاعد، والتعاطف معها كبيراً عقب هجوم حماس، وتأييد ما سُمّي “الدفاع عن النفس” واسعاً. حينها تحمّس الرئيس الفرنسيّ “الشابّ”. انجرف بالدعاية الإسرائيليّة التي تشبّه حماس بداعش. فارتجل اقتراح تحالف إقليميّ – دوليّ لمحاربتها. وليُظهر براغماتيّته، اقترح توسيع مهامّ التحالف الدوليّ القائم ضدّ داعش لمحاربة حماس! وأعلن جهوزية فرنسا للمشاركة! فوجئ الجميع! سخر البعض. وسقط الاقتراح.
كيف يبدو المشهد عالمياً وأميركياً وأوروبياً وعربياً وفرنسياً إزاء الحرب في غزّة عشيّة زيارة ماكرون الثانية للمنطقة.

في الداخل الفرنسيّ تزداد الضغوطات على إدارة الرئيس ماكرون للعودة إلى سياسة التوازن في الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ
المشهد عشيّة الزيارة الثانية
قبل التوسّع في المشهد تجدر الإشارة إلى أنّ الزيارة تحصل خلال “الجولة الثانية” من تبادل الرهائن والمعتقلين بين حماس وإسرائيل التي لم يُطلق فيها سراح أيّ رهينة تحمل الجنسيّة الفرنسيّة.
1- في المشهد العالميّ: تراجع التأييد لإسرائيل في حربها على غزّة. لا بل ازدادت الضغوطات لإنهاء الحرب. هذا ما اعترف به وزير الخارجية الإسرائيليّ إيلي كوهين منذ أسبوعين. وأضاف: “أقدّر أنّ هناك نافذة زمنيّة تراوح من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع حتى يبدأ الضغط الدوليّ الثقيل”.

2- أميركيّاً تزداد الضغوطات على الرئيس جو بايدن، الداعم الأوّل لإسرائيل. وأبرزها تراجع شعبيّته للمرّة الأولى منذ انتخابه، خصوصاً في ولايات تشكّل مرتكزاً للديمقراطيين في الانتخابات (مثل ميتشيغان وبنسلفانيا وجورجيا)، وفي وقت بدأت عملياً المعركة الانتخابيّة في أميركا منذ بداية الشهر الجاري. دفعت هذه الضغوطات بالرئيس الأميركيّ إلى زيادة الحركة باتجاه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو للقبول بصفقة تبادل الأسرى التي تجري حالياً. وربّما ستزداد لقبول إسرائيل فعليّاً بهُدن إنسانيّة والسماح بدخول مساعدات بكميّات أكبر إلى قطاع غزّة.
أوروبا مقسومة… والعرب ضدّه
3- أوروبياً: برز الانقسام في الموقف حيال الحرب الإسرائيليّة على غزّة. انقسام يبدو أنّه يتنازع فرنسا من الشرق والجنوب والشمال:
– على حدودها الشرقيّة تذهب ألمانيا، ومعها دول أوروبا الوسطى، بعيداً في دعم إسرائيل. ربّما يمكن فهم هذا الموقف في إطار الانسجام مع الموقف الأميركيّ نظراً لحاجة هذه الدول إلى استمرار دعم واشنطن لأوكرانيا في حربها ضدّ روسيا. ولكنّه أيضاً يبدو “تكفيراً” عمّا فعله النازيّون باليهود في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. فقد وجدت ألمانيا في التهديد الذي شكّله هجوم حماس على وجود إسرائيل فرصة مناسبة لتقديم المزيد من “أضاحي التكفير” من خلال التضحية بالشعب الفلسطينيّ وقضيّته المحقّة.

اترك تعليق