لم يعد السؤال في الأيام الماضية: هل يمدَّد لقائد الجيش العماد جوزف عون، بل أين وكيف؟ في الحكومة أم في مجلس النواب؟ وما هي الآليّة؟
وفق معلومات “أساس”، تجاوزت التطوّرات التي تحكم هذا الملفّ، وعقدتها الأولى والوحيدة فيتو جبران باسيل وغطاء الحزب “حتى الآن” لموقف حليفه المسيحي، مسألة الإشكالية حول احتمال إحالة عون إلى التقاعد أو استمراره في موقعه، وانتقلت إلى السيناريو الذي سيُخرِج باسيل خاسراً من هذه المعركة بفعل تلاقي الضغوط الخارجية والداخلية على بقاء قائد الجيش في اليرزة بعد 10 كانون الثاني المقبل.
باسيل نفسه، وفي أحد الاجتماعات الحزبية، قال أمام كوادر “التيار الوطني الحر”: “أنا وحدي في هذه المعركة، ولا شيء سيغيّر موقفي. يروحوا يمدّدولوا لوحدهم”.
“بجّت” عند جبران!
أحد أبرز تجلّيات هذه الضغوط هي المشهدية التي واكبت زيارات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت. وفق معلومات “أساس” أنّ لودريان لم يثر مباشرة المطلب الفرنسي والغربي بالتمديد لقائد الجيش خلال لقائه فقط مع باسيل وقائد الجيش والبطريرك بشارة الراعي، ففي اليوم الأوّل تكلّم بالمنطق نفسه أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري و”طلب التمديد” صراحة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لكنّ الطرفين آثرا عدم التسريب الإعلامي لتأتي حصيلة اليوم الأول من الزيارة مفعمة ببنود الرئاسة والوضع الجنوبي بعد حرب غزة و”تحصين” القرار 1701.
لكن في اليوم الثاني “بجّت” من ميرنا الشالوحي بسبب الموقف الصداميّ الذي سَمعه لودريان من باسيل بعكس المواقف الدبلوماسية التي رصدها في باقي المقرّات بما في ذلك عين التينة، خصوصاً أنّ الرئيس بري كشف علناً في الأيام الماضية أنّ أحد الخيارات الأساسية التمديد لقائد الجيش. مع العلم أنّ الاستثناء الوحيد رُصِد خلال لقاء لودريان مع النائب محمد رعد حيث تحدّث بالعموميّات عن ضرورة تجنّب الفراغ في قيادة الجيش من دون ذكر مطلب التمديد “بالشخصي” لجوزف عون.
برّي – عون
في هذا السياق، يجزم العارفون أنّ موقف برّي المتمايز عن الحزب لا منطلقات صَلبة له. فالعلاقة بين رئيس مجلس النواب وقائد الجيش لم تكن “سَلِسة” طوال السنوات الماضية وغابت عنها الكيمياء بالكامل. لكنّ ذلك لم يمنع برّي مثلاً، ضمن إطار تسجيل النقاط على باسيل، من “استدراج” قائد الجيش إلى عين التينة ليمنحه “امتياز” زفّ خبر حلّ إشكالية ترقية الضبّاط من رتبة عقيد إلى عميد التي بقيت عالقة نحو أربع سنوات. وراهناً، لا يخرج موقف برّي عن إطار “زرك” باسيل أكثر في الزاوية و”دعم” المسيحيين في مطلبهم التمديد وإرضاء الخارج على قاعدة واضحة: “حسابات التمديد شيء ورئاسة الجمهورية شيء آخر تماماً”.
جلسة تمديد لم تحصل!
في هذا الإطار تستعيد مصادر مطّلعة كواليس ما سبق “تطيير” جلسة مجلس الوزراء في 14 تشرين الثاني الماضي، حيث تؤكّد أنّ “هذه الجلسة كان يمكن أن تشهد تأجيل تسريح قائد الجيش بغطاء من الرئيس بري، لكنّ اتّصالاً مسائيّاً مصدره الضاحية أطاح بها، وكان الوزير مصطفى بيرم مثلاً جزءاً من السيناريو بوصوله متأخّراً إلى السراي بعد “تلقّيه اتّصالاً” بتأجيل الجلسة. ولحفظ ماء وجه الحكومة ورئيسها تمّ التلطّي وراء الخلاف على بند مناقصة البريد التي قام مجلس الوزراء في جلسة 17 تشرين الثاني، بسلاسة كبيرة، ببتّ الإشكالية حولها عبر التمديد لـ “ليبان بوست” وتكليفها الاستمرار بالعمل إلى حين إجراء مزايدة رابعة”.
بمطلق الأحوال، أُضيف في الساعات الماضية عامل ضاغط إلى ملفّ قيادة الجيش من خلال الكباش بين لودريان وباسيل الذي وصل إلى حدّ قول أحد نواب التيار القريبين من باسيل سليم عون: “يللي بيزعل على مهله بيرضى”. واكتمل بازل الكباش الداخلي بالزيارة التي قام بها وزير الدفاع موريس سليم لبكركي أمس لتوضيح مواقف وزير الدفاع وباسيل من الممانعة الصارمة للتمديد والمخارج القانونية المتاحة المتوافرة في قانون الدفاع نفسه وفي الحكومة من خلال التعيين الذي لا ينتقص، برأي سليم، من موقع رئيس الجمهورية المقبل الذي يُمكن أن يبقيه أو يعيّن بديلاً عنه.
برّر ميقاتي هذا الضغط الغربي الفاضح بتوضيح أوساطه الإعلامية عبر القول: “الفرنسيون يريدون تحصين آخر مؤسّسة ما زالت متماسكة، وهذا التدخّل الآن يرتبط بملفّ حسّاس والمطلب من قبل باريس إيجابي. وللمنزعجين من أيّ كلام فرنسي بشأن ملفّ قيادة الجيش، فلتكن المبادرة داخلية وليكن التمديد بقرارٍ سياسي لبناني بحت، وعندها لا نضطرّ إلى أن نتحدّث عن تدخّلات خارجية في قضية حسّاسة جداً”. هذا الكلام يربط أكثر بشكل صريح التمديد لعون بعناوين المرحلة ربطاً بما أفرزته خصوصاً حرب غزة لجهة تعزيز مندرجات القرار 1701 ودور الجيش بقيادة عون تحديداً.
الحزب: قرار واضح
فيما يتابع الداخل اللبناني الزيارة المرتقبة التي أعلنها الإليزيه رسمياً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقطر لتأثيرها المُحتَمل على ملفّ الرئاسة وقيادة الجيش، فإنّ العين ترصد نقاشات الأخذ والردّ في الكواليس بشأن الإخراج الذي سيحكم آلية بقاء العماد عون في موقعه، حيث إنّ الضغط الفرنسي والغربي أعاد الكرة مجدّداً إلى ملعب الحكومة التي قد تعقد جلسة قريبة، وفق المعلومات، يتمّ من خلالها تأجيل تسريح قائد الجيش (الآليّة غير واضحة حتى الآن) أو اتخاذ قرار يمدّد لقائد الجيش.
هنا تقول أوساط مطّلعة إنّ “حجّة حرب غزة شرّعت للحزب سياسة صمته حيال الملفّ، لكن بنهاية الأمر موقف الحزب لن يكون رماديّاً. وإذا سلّمنا بأنّ الحلّ سيكون في الحكومة فإنّ القرار سيكون بالمقاطعة أو حضور وزيرَي الحزب وإعلان الأخير موقفاً واضحاً من التمديد لقائد الجيش”، فيما تجزم الأوساط أنّ “النصاب سيؤمَّن إذا اتُّخذ القرار السياسي بالتمديد حتى لو غاب وزيرا الحزب مصطفى بيرم وعلي حميّة”، وأمّا الويز محمد بسام مرتصى الأقرب إلى الحزب والأرجح أنه سيحضر الجلسة تأميناً للنصاب.