الدولة تتنصّل من “داتا” النزوح…؟!

يركّز المسؤولون في لبنان على أهمية «داتا» النازحين السوريين كمدخل أساس وإجباري لمعالجة ملف النزوح وضبطه، بحيث يُمكن من خلال البيانات المتعلّقة بالنازحين الموجودين في لبنان تصنيف هؤلاء ومعرفة أسباب نزوحهم والمناطق التي نزحوا منها، وبالتالي تحديد من تسقط عنه صفة النزوح ولا يحقّ له تلقي مساعدات أممية أو بات بإمكانه العودة نظراً إلى أنّ مناطق شاسعة في سوريا باتت آمنة. لكن يبقى السؤال، في ظلّ اعتبار المجتمع الدولي أنّ ظروف العودة غير متوافرة بعد، هل بإمكان لبنان أن يُعيد أي نازح لا يرغب في العودة في ظلّ التزام الدولة «العودة الطوعية»؟

فضلاً عن ذلك، تعتبر جهات عدة أنّ الدولة تملك «داتا» النازحين أو يمكنها امتلاكها، بدلاً من أن تستمرّ لسنوات متخليةً عن مسؤوليتها ومتنصلةً من مهماتها توزّع الاتهامات وتهاجم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ربطاً بأنّ الأخيرة تمتلك «داتا» للنازحين وترفض تسليمها للدولة اللبنانية. ويسأل البعض: لماذا الاتكال على «داتا» المفوضية وما الذي يضمن شفافيتها ودقتها؟ هل يُعقل أن لا تتمكّن دولة من معرفة المعلومات الشخصية والرسمية عن المقيمين فيها؟ ألا تمتلك المديرية العامة للأمن العام الوثائق عن السوريين الذين دخلوا إلى لبنان بطرق شرعية؟ وألا تعرف هوية من يغادرون إلى سوريا ثمّ يدخلون مجدداً إلى لبنان؟ ألا يُمكن للأجهزة الأمنية والبلديات أن تجري إحصاء شاملاً مفصلاً للسوريين في كلّ محافظة وقضاء وبلدية؟ وألا يمكن تكوين «داتا» شاملة للنازحين الذين يقطنون في المخيمات في البقاع؟

هذا فضلاً عن أنّ هناك مليونين و80 ألف نازح سوري في لبنان، بحسب ما أعلن المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، منذ أشهر، فيما يبلغ عدد المسجَّلين لدى مفوضية اللاجئين حتى نهاية آذار الماضي، 805,326 لاجئاً سورياً مسجلاً في لبنان (187,844 عائلة)، علماً أنّ المفوضية تواصل اعتماد أعداد اللاجئين المسجّلين قبل عام 2015، تاريخ طلب الحكومة اللبنانية من المفوضية وقف تسجيل النازحين. وبالتالي إنّ «داتا» النزوح التي تملكها المفوضية منقوصة ولا تغطّي أكثر من مليون نازح.

عدم امتلاك الدولة لـ»داتا» النزوح منذ عام 2011، دليل فاضح إلى الاستهتار الرسمي بملف وجودي بحجم كبير من الخطورة. وشكّل موضوع «الداتا» تجاذباً بين الدولة والـUNHCR التي تتهمها بعدم تزويدها بـ»الداتا» التي تملكها عن النازحين، لكن من دون تنفيذ أي من التهديدات باتخاذ إجراءات بحقها. وبقي هذا التجاذب قائماً حتى 8 آب الماضي، حين أعلن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب التوصل إلى اتفاق مع المفوضية لتسليم «الداتا» التابعة لجميع النازحين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية. وأتى هذا الاتفاق بعد مسار طويل من التفاوض بدأ منذ أكثر من عام.

بموجب هذا الاتفاق، التزمت الحكومة اللبنانية بعدم استخدام أي بيانات يتم مشاركتها لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، فضلاً عن تأكيد التزامها مبدأ عدم الإعادة القسرية والتزاماتها بموجب القانونين الدولي والمحلي، إضافةً إلى عدم مشاركة هذه البيانات مع أي طرف ثالث. وأمهلت الحكومة المفوضية 3 أشهر لتسليم هذه الداتا إلى المديرية العامة للأمن العام.

الإستهتار الرسمي يبدو أنّه متواصل، إذ من خلال تواصلنا مع عدد من الجهات المعنية ووزراء، تُبدي كلّ جهة عدم «صلاحيتها» أو عملها على هذا الملف، وأحد لا يعرف إذا كانت «الداتا» سُلّمت أم لا، فالجميع يعتبر أنّ «الموضوع» عند الأمن العام. لكن هل يُعقل أنّ أحداً لا يتابع موضوعاً بهذه الأهمية؟ ولماذا لا تكشف الحكومة أسبوعياً أو شهرياً التطورات في هذا الملف؟ لماذا لا يخرج أي مسؤول ويخاطب اللبنانيين ويضعهم في أجواء ما يحصل؟

حاولنا التواصل مراراً وتكراراً مع الأمن العام و»لا جواب»، في حين كان كشف المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، في ذكرى الاستقلال في 22 تشرين الثاني الماضي، عن قرب تسلُّم «داتا» النازحين. وزارة الخارجية تعتبر أنّ مهمتها انتهت بإبرام الاتفاق مع مفوضية اللاجئين، فيما أنّ الشق التقني من هذا الاتفاق لدى الأمن العام. وتوضح مصادر الوزارة أنّ الاتفاق نصّ على أن تتسلّم جهة واحدة فقط هذه «الداتا»، وهي الأمن العام، لعدم تسريبها ولكي «لا تصبح في الجرائد». وتفيد المعلومات الأخيرة المتوافرة لدى الوزارة، منذ أيام، أنّ المفوضية لم تسلّم «الداتا» إلى الأمن العام بعد، على رغم أنّ المشاورات وطرق التنفيذ تسير بإيجابية.

الإجابة الشافية عن تسليم «الداتا» تأتي من المفوضية وليس من أي جهة لبنانية. وكشفت مصادر المفوضية لـ»نداء الوطن» أنّه «على الرغم من عدم مشاركة البيانات حتى الآن، إلّا أن المناقشات في مراحلها النهائية».

وكانت المفوضية اقترحت على الحكومة، بعد مناقشات حول طرائق التنفيذ تفعيل نقل البيانات الحيوية الأساسية للاجئين السوريين في لبنان لمرة واحدة. ومن خلال استكمال عملية نقل البيانات الشخصية هذه لمرة واحدة، تعتبر المفوضية أنّ اتفاقية 8 آب 2023 قد جرى تنفيذها.

اترك تعليق