لن ينسى جان إيف لودريان في اليومين المقبلين أنّ رئيس كتلة نيابية ورئيس تيّار سياسي في لبنان حاججه حتى أحرجه، وأحرجه فأخرجه. ستكون زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي لميرنا الشالوحي محطة يبنى عليها ومثار تأويل وجدل. سبع دقائق كانت بمنزلة رحلة قاسية بحقّ الدبلوماسية الفرنسية، أخرجتها عن طورها وأخرجت كلّ ما لديها من غضب وعتب ولوم. جملتان اختصرتا وضع العلاقة بين لودريان ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. سأله: الكلّ وافقوا على التمديد لقائد الجيش فلِم لم توافق؟ أجابه باسيل: “لأنّني لا أريد أن أخالف القانون، وهذه مسألة سيادية، وكيف لمن يدعونا إلى عمل الإصلاحات أن يقبل بمخالفتنا القانون؟”. هل لديك موضوع آخر لنتناقش به؟ سأل باسيل، ففهم الضيف وكان عليه المغادرة على عجل.
محطّة صدام جديدة في مسار باسيل السياسي. وإذا كان ما قاله لودريان صحيحاً من أنّه جاء إلى لبنان موفداً من اللجنة الخماسية فقد فتح باسيل جبهة في مواجهة دول الخماسية.
يحذّر التيار من أنّ “أيّ محاولة من جانب أيّ طرف، سواء بري أو رئيس الحكومة، لتجاوز موقع وزير الدفاع وصلاحيته، نعتبرها ضرباً لأسس الطائف وتهدّد كلّ الصيغ والمواثيق وتهدّد بالفوضى
باسيل يدفع الثمن
ليس معلوماً ما الثمن الذي سيدفعه باسيل فرنسيّاً مقابل تعاطيه الجافّ مع الموفد الفرنسي. ولكنّ المؤكّد أنّ تعامله هذا مع لودريان كان موضع قبول من خصومه قبل الحلفاء على قلّتهم. فمن يناصب رئيس التيار الخصومة كان يضحك في سرّه على مصير الدبلوماسية الفرنسية التي تتجدّد استفزازاتها مع كلّ زيارة للودريان. فالرجل اعتاد أن يقصد لبنان خالي الوفاض إلا من نصائح يتلوها على مسامع المسؤولين مع فارق أنّه طلب بلهجة لم تخلُ من التحذير التمديد لقائد الجيش جوزف عون وتصوير الخطوة على أنّها تصبّ في مصلحة فرنسا الاستراتيجيّة الأمنيّة وكذلك العديد من الدول الأوروبية على ذمّة لودريان.
بسبب باسيل أيضاً وقع الخلاف في الرأي بين الثنائي الشيعي. يرفض رئيس التيار التمديد لقائد الجيش وانتخاب سليمان فرنجية مرشّح حليفه الحزب، فيربك المشهد السياسي ويعقّده. لا يريد الحزب إحراج حليفه فإخراجه، فيرجئ الملفّ الرئاسي إلى حين يتمكّن من إقناعه ويترك بتّ موضوع قائد الجيش إلى لحظاته الأخيرة كي يفرض الأمر الواقع نفسه.
شفاعة العلاقة بالسيّد
معرقل الجمهورية الذي يناصبه الكثيرون الخصومة إلى حدّ العداء غير مستعدّ للتراجع أو إجراء مراجعة لمواقفه وسلوكه السياسي. كانت علاقته مع الحزب باردة إلى حدّ التوتّر إلى أن وقعت حرب غزة وفُتحت جبهة الجنوب دعماً لفلسطين فكان السباق مسيحياً في تسجيل موقف الداعم لغزّة وللحزب. وهو ما فتح طريق ميرنا الشالوحي – حارة حريك مجدّداً، تلك الطريق التي يحرص الحزب على إبقائها سالكة على الرغم من وجود أصوات داخلية تمتعض أحياناً من حليف متطلّب يقدّم مصالحه على غيرها. لكنّ الأساس يبقى في تلك العلاقة الجيّدة التي تجمع السيّد مع رئيس التيار والرئيس السابق ميشال عون.
بعد زيارة لودريان تقصّد التيار تظهير حقيقة الخلاف إلى العلن. شكّلت الزيارة حدثاً طغى على مجمل لقاءاته طوال أيام إقامته في لبنان. تقول مصادر رفيعة في التيار إنّ القصد كان إعادة تأكيد مواقف رئيس التيار من التمديد كمبدأ والتي اتّبعها في كلّ محطات مماثلة من العماد جان قهوجي وصولاً إلى المدير العام للأمن العام أخيراً، وتقول إنّ ما حصل مع لودريان لن يوقف التواصل مع الفرنسيين أو يؤثّر عليه، فلفرنسا دورها وسيبقى الحوار قائماً معها والخلاف مع لودريان كان على مبدأ التمديد. تستغرب الأوساط كيف أنّ “موفداً فرنسياً يزور لبنان بلا أفكار جديدة أو مقترحات بل يكتفي بإسداء النصح بانتخاب رئيس ويطلب إلى حدّ الفرض التمديد لقائد الجيش”.
محطّة صدام جديدة في مسار باسيل السياسي. وإذا كان ما قاله لودريان صحيحاً من أنّه جاء إلى لبنان موفداً من اللجنة الخماسية فقد فتح باسيل جبهة في مواجهة دول الخماسية
خسارة فرنسا بعد أميركا
قد يربح باسيل من جلسته مع لودريان عموماً، لكنّها مسيحياً قد تثير الريبة وتشكّل سابقة في أن تستعدي شخصية مارونية فرنسا بعد أميركا، “فمن سيبقى لك لنطلب منه المساعدة”. لكنّ باسيل من ناحية التيار “أرسى نمطاً جديداً من التعاطي مع موفد تحدّث بنفَس من يظنّ نفسه مستعمراً”. وتؤكّد مصادر رفيعة في التيار ثبات باسيل على مواقفه إن لناحية الرئاسة أو لناحية التمديد لقائد الجيش أو غيرهما من الملفّات.
في جلسته الثلاثاء المقبل يناقش التكتّل النيابي الموقف من الجلسة التشريعية، ولن يقف ضدّ التشريع. “ولكنّ المواضيع المطروحة على جدول الأعمال نعالجها كلّ حالة على حدة، وما إذا كان ينطبق عليها تشريع الضرورة أو لا ينطبق. ولكنّ لن نشرّع مخالفة القانون بالتمديد لجوزف عون. وفي حال طرح، فمن المحتمل أن نصوّت ضدّه”، وهو ما تؤكّده المصادر في قولها: “رفض التمديد لجوزف عون ولو شو ما كلّف، ولا الفرنسي ولا غيره يفرض علينا مخالفة القانون”.
النازحون بيت القصيد
لكنّ النقاش الجدّي في هذا الشأن سيخوضه التيار مع حليفه الحزب الذي لم يتّضح موقفه بعد ويتقصّد التزام الصمت والغموض حيال التمديد. لكن بات ثابتاً أنّ الموفد الفرنسي أظهر بوضوح أنّ تمسّكه ببقاء جوزف عون مردّه إلى تنفيذ الأجندة الفرنسية في ما يتعلّق بالنازحين السوريين وبمنع قوارب الهجرة باتجاه أوروبا. واليوم يطرحون التمديد لمهامّه وغداً يطالبون به رئيساً. وبذلك يرى التيار أنّ “الغرب بدأ يكشف عن مرشّحه الحقيقي أو مرشّح مصالحه. ومن هنا جاءت ردّة الفعل والغضب على باسيل الذي خرّب اللعبة التي يهندسونها”.
تطاول لودريان
– في تفسيرها لما حصل مع لودريان تقول المصادر عينها: “لن نسمح لأحد بالتدخّل في شأن سيادي أو يملي ما علينا فعله. نرفض الإملاءات وبقدر ما نرحّب بأيّ مساعدة من الخارج للبنان بقدر ما نرفض أيّ سلوك يمسّ بالسيادة من أيّ جهة كانت. وقد كان باسيل حازماً عندما تطاول لودريان على سيادة لبنان وطلب إليه مخالفة القوانين. ونحن لا نرضخ للترهيب ولا للتخويف ولا نخالف خدمة لأجندات خارجية. وفي موضوع الرئاسة دعوتنا مفتوحة للاتفاق على رئيس يحمل مشروعاً وطنياً مدعوماً من الجميع والخروج من المرشّحَين المتعارف عليهما، وإلا فلينفّذ الدستور؟”.
يحذّر التيار من أنّ “أيّ محاولة من جانب أيّ طرف، سواء بري أو رئيس الحكومة، لتجاوز موقع وزير الدفاع وصلاحيته، نعتبرها ضرباً لأسس الطائف وتهدّد كلّ الصيغ والمواثيق وتهدّد بالفوضى”، ذلك أنّ صلاحيات الوزير “هي ما بقي في الطائف ولا يمكن المسّ بها بحيث يُترك رئيس الحكومة ليتصرّف نيابة عنه”.