لا تقتصر المجزرة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة على إبادة الإنسان، بل تطال كل ما يملك من أملاك خاصّة ومؤسسات حكومية. حجم الخراب الذي نشهده اليوم ربما يكون الأسوأ مقارنةً بالحروب السابقة على قطاع غزة، متخطياً كلّ الدمار الذي وقع أثناء الحروب السابقة مجتمعةً
على مدى أكثر من 50 يوماً، صبّ العدو الإسرائيلي حقده على الفلسطينيين بشراً وحجراً، مدمّراً كل ما يمكن تدميره: المنازل، المستشفيات، المؤسسات الحكومية، المؤسسات الإعلامية، المؤسسات العلمية والجامعية… أحياء كاملة مُسحت عن الخرائط في سياق مخطط العدو لتحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة. وفي مقارنة مع حرب 2008 (23 يوماً) وحرب 2014 (51 يوماً)، لجهة ضخامة العدوان وآثاره التدميرية، بلغت حصيلة المباني السكنية التي تم قصفها في حرب 2008 نحو 11,122 منزلاً، منها 2,627 دُمرت كلياً و8,495 دُمرت جزئياً (المصدر: وكالة وفا). وفي عام 2014، قُصف 17,132 منزلاً، منها 2,465 دُمِّرت كلياً و14,667 دُمِّرت بشكل جزئي (المصدر: الأورومتوسّطي). في المقابل، تضرر أكثر من 200,000 وحدة سكنية في الأيام الـ 23 الأولى من العدوان الأخير، منها 32,500 وحدة هُدمت كلياً ولم تعد صالحةً للسكن (المصدر: المكتب الإعلامي الحكومي). وفي اليوم الـ 44 للحرب، وصل عدد الوحدات السكنية التي تعرّضت لهدم كلي إلى 43,000، و225,000 وحدة تعرضت للهدم الجزئي، ما يعني أن حوالى 60% من الوحدات السكنية في قطاع غزة تأثّرت بالعدوان.
في أقل من شهرين، دمّر العدو جنى سنوات طويلة من أعمار الفلسطينيين وتعبهم، ومحا أحياء بكاملها، بما فيها من منازل ومحال تجارية ومؤسسات رسمية وذكريات العمر. «ما بدي اترك البيت. بدي ضل شوف بابا»، تقول الطفلة نور وهي تبكي بحرقة لمغادرة بيتها في شمال القطاع. في حرب غزة عام 2014، استُشهد في البيت والدها الذي لا تعرفه إلا عبر الصور المعلّقة في أرجائه والثياب المتروكة في الخزائن. مغادرةُ منزلها أشعرتها بأنها فقدته مجدداً. أما محمد الذي دُمّر منزله وهام مع زوجته وأولاده الثلاثة على وجوههم في طريقهم إلى جنوب غزة، فلم يتبقَّ له من جنى العمر سوى «خاتم الزواج» الذي عثر عليه بين الركام.
معاناة ما قبل الحرب
أدى العدوان الإسرائيلي إلى شلّ كل القطاعات الحيوية والصحية في القطاع. وهي كانت قبل العدوان تعاني مشكلات كثيرة جرّاء الحصار المتواصل منذ 17 عاماً. فبحسب المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان، كان عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي قبل العدوان يراوح بين 12 ساعة و16 ساعة يومياً، ما كان يحرم 30% من سكان غزة من حقهم في المياه بسبب هذا الانقطاع. كما أن خمس عائلات من كل عشر كانت تعاني من انعدام الأمن الغذائي. وفي القطاع الصحي، سُجّل 1,4 سرير في المستشفيات لكل 1000 من السكان مقارنة بثلاثة أسرّة قبل الحصار عام 2005. ووصلت نسبة العجز في الأرصدة الدوائية إلى 40%، وفي المستلزمات الطبية إلى 32%، وفي لوازم المختبرات وبنوك الدم إلى 60%. وبلغت نسبة تراجع خدمات الرعاية الصحية 66%. وفي ما يتعلق بالمساحات الزراعية، فإن 35% من الأراضي الصالحة للزراعة محظور العمل فيها.
أهل غزّة يضحّون بكل ما لديهم
المهندس المدني الذي عمل مع شركة «صقا وخضري» المنفّذة لمشاريع إعمار في غزة (من ضمنها مستشفى القطري) سعد الوحيدي أكّد لـ «القوس» أن من غير الممكن تقدير حجم الدمار في غزة، بعدما طال كل أشكال الحياة: بيوت وأحياء ومنشآت حيوية ومحطات تحلية مياه ومحطات صرف صحي ومدارس وأبراج اتصالات وأبراج إرسال ومستشفيات وجامعات ومدارس وشبكات الإنترنت ومولّدات كهرباء. وأضاف أن «هذا الدمار غير المسبوق هدفه مسح غزة من على وجه الأرض»، مشيراً إلى أن «كل الحروب السابقة على غزة كان الاحتلال يعتبرها عمليات عسكرية، وكان القصف يطال بعض الأبراج السكنية ومقرات حكومية. أما اليوم، فما من شيء لم يُقصف». وأضاف: «حجم الدمار مهول ويحتاج سنوات من الإعمار. وهناك منشآت كانت لا تزال قيد الإعمار والترميم، كالجامعة الإسلامية التي تم بناؤها عام 1970 وكانت تستكمل أعمال بنائها وترميمها بسبب ظروف الحصار على غزة، وفي صدد إنشاء مبنى جديد يتيح لها استقبال عدد إضافي من الطلاب». وإذ لفت إلى أن إعادة الإعمار تحتاج مؤتمرات ترعاها دول مانحة، أشار إلى أنه «حتى يومنا هذا، هناك من دُمرت بيوتهم في حرب 2014 ولم يصلهم الدور في الإعمار، لأن إسرائيل تتحكّم في إدخال مواد البناء. لذلك، إن إعادة الإعمار وعودة من فقدوا منازلهم داخل قطاع غزة إلى أماكن سكنهم قد يستغرق وقتاً طويلاً أكثر مما نتوقّع».
المُلك أساس العدل
لم يترك العدو الإسرائيلي قانوناً لم ينتهكه، من قتل الأطفال والنساء والرجال وفرض حصارٍ وحرمان أهل غزة من الطعام والمياه، وتهجير الأهالي وتدمير كل ما يملكون.
وتنصّ المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل شخص في التملّك سواء وحده أو مع آخرين، ولا يجوز حرمان أحد من ملكيته تعسفاً. كما تنص المادة 53 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب على أنه «يحظر على دولة الاحتلال أن تدمّر أيّ ممتلكات خاصّة ثابتة أو منقولة تتعلّق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظّمات الاجتماعية أو التعاونية».
يبدو أنّ تلك النصوص تُطبّق وتُحترم ويُحاسب كل من يخالفها في الدول الغربية فقط. أما في فلسطين، فلا أحد يحاسب الاحتلال الإسرائيلي على مخالفة تلك القواعد ونسفه كل قاعدة ومبدأ وقرار ومعاهدة.
حق الفلسطيني في أرضه ومنزله هو أساس العدل، ووقف الإبادة هو مطلب الجميع، ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ هل يُترك أهل غزة من دون مساعدة في أرض جرداء لا مقوّمات للعيش فيها لتنفيذ مطلب العدو الإسرائيلي بتهجيرهم من أرضهم؟
الاحتلال يقصف ذاكرة غزة
القصف الإسرائيلي شمل مبنى الأرشيف المركزي لقطاع غزة. ملحقاً دمار كبير في المبنى، مما أدى إلى إتلاف آلاف الوثائق التاريخية التي تشمل بعضها المباني المدنية ومراحل تطورها العمراني.
1.7
مليون شخص هو عدد النازحين (نحو 80% من السكان) في مختلف أنحاء قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول. أكثر من مليون نازح يقيمون في 156 منشأة تابعة لـ «الأونروا» في محافظات قطاع غزة الخمس، بما في ذلك في الشمال. وحوالى 927,000 نازح يقيمون في 99 مرفقاً في مناطق الوسط وخان يونس ورفح، ونحو 160,000 نازح يقيمون في 57 مدرسة تابعة لـ «الأونروا» في منطقتَي الشمال وغزة
2.4 مليون هو عدد الفلسطينيين الذين طالهم الدمار جرّاء الحرب
كل 7 دقائق يؤدي قصف العدو الإسرائيلي على قطاع غزة إلى استشهاد طفل فلسطيني بحسب المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان
السرقة تطال أعضاء الشهداء
أشار المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان إلى احتجاز جيش العدو جثث شهداء في مجمع الشفاء الطبي في غزة والمستشفى الإندونيسي شمال القطاع وجثث شهداء في محيط ممر النزوح إلى وسط قطاع غزة وجنوبه. كما عمد العدو إلى نبش مقبرة جماعية في إحدى ساحات مجمع الشفاء الطبي واستخراج جثث واحتجازها، ما يثير شبهات حول سرقة أعضاء تلك الجثث، خصوصاً بعد ملاحظات أدلى بها أطباء في غزة أجروا فحصاً سريعاً لبعض الجثث المفرج عنها، وأكدوا ملاحظة «فقدان» أعضاء مثل قرنية العين وقوقعة الأذن والكبد والكلى والقلب.
سرقة أموال أهل غزة
بعد تدمير المنشآت السكنية، عمد العدو الإسرائيلي إلى سرقة الأموال التي كانت فيها. فقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى مصادرة جيش العدو نحو خمسة ملايين شيكل من منازل الفلسطينيين، تم تحويلها إلى دائرة الأموال في وزارة الأمن الإسرائيلية.