مع اشتدادِ «الرياح الساخنة» على الجبهة الجنوبية للبنان، تتوغّل المخاوفُ من أن تنقلب «الحربُ الناعمة» حتى الساعة بين «حزب الله» وإسرائيل، إلى مواجهةٍ أشمل، على وقع انقشاعِ مرحلةِ ما بعد هدنة الأيام السبعة في غزة على توسيع «حزام النار» في اتجاه جنوبِ القطاع، وانكشاف المزيد من التصدّعات في مقاربةِ كل من واشنطن وتل أبيب لكيفية إدارة العمليات العسكرية والوفاء بالتزامات إنسانية تتقدّمها حماية المدنيين.
وفيما كانت إسرائيل تكشفُ بالقوةِ التدميريةِ «رؤوسَ أقلامٍ» عما تعدّ له لجنوب غزة ولا سيما خان يونس ورفح، تحت عنوان أن غالبية قادة «حماس» والقسم الأكبر من ترسانتها الصاروخية، فضلاً عن غالبية الأسرى الإسرائيليين المتبقّين، موجودون الآن في الجنوب، فإنّ «حبسَ الأنفاس» استعيدَ على الجبهة اللبنانية التي شهدت أمس مواجهاتٍ سَقَطَ فيها ما لا يقلّ عن 15 جريحاً إسرائيلياً (غالبيتهم من العسكريين) في عملياتٍ لـ «حزب الله».
وليس خافياً أن رفْعَ منسوب الضغط بالنار و«المشاغَلة» على جبهة الجنوب، مربوطٌ ليس فقط بانهيار الهدنة بل أيضاً ببدء إسرائيل «غرْز أنيابها» في جنوب غزة، وهو ما يشكّل تطوراً مدجَّجاً بأبعاد تطلّ على هدفِ «محو حماس» – وذلك بمعزل عن مدى واقعية هذا الأمر وقابليته للتحقق – ومرشَّحاً لاستدراجِ مجموعة هزاتٍ ارتدادية إنسانية وإحياء مخطط لم يعد بالحبر السري لعملية «ترانسفير» وهذه المرة بالترويع نحو سيناء، وهو ما تتحسّب له القاهرة بقوة وجدّدت رفْضه بلسان الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس على هامش قمة المناخ في دبي.
وفي حين كانت الأنظار مشدودةً نهاراً إلى باب المندب، عبّرت أوساط مطلعة عن قلق عارم من أن الخلافات بين الإدارة الأميركية وإسرائيل حول مسائل أساسية في ما خص حرب غزة باتت «بلا قفازات»، وأن إدارة تل أبيب ما يشبه الأذن الصماء لـ «الصراخ» الأميركي حيال القضية الإنسانية – وما تشكّله من ضوابط تلقائية في الميدان واستطراداً لبنك الأهداف العسكري لإسرائيل – تعكس هامشاً واسعاً من القدرة على التفلّت من أي خطوط حمر ترسمها واشنطن، الآن حيال غزة وربما غداً حيال جنوب لبنان.
«هزيمة إستراتيجية»
ولم يكن عابراً على الإطلاق في هذا الإطار تحذير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إسرائيل، بالتوازي مع تأكيده أن بلاده لن تسمح لحركة «حماس» بالانتصار، من «هزيمة إستراتيجية» إذا لم تلتزم بحماية المدنيين، وكشْفه أنه «حضّ بشكل شخصي القادة الإسرائيليين على تجنب وقوع قتلى وجرحى من المدنيين» والكف عن «الخطاب غير المسؤول» ومنْع عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وذلك في اليوم نفسه الذي أقرّ فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «بوجود اختلافات في الرأي مع واشنطن» في شأن كيفية تحقيق إسرائيل أهداف الحرب والمسائل الإنسانية إضافة إلى إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وصولاً لإعلانه «في نهاية المطاف هذه حربنا وعلينا أن نتخذ القرارات ونحاول إقناع أصدقائنا الأميركيين وننجح بالأمر في كثير من الأحيان، وآمل وأعتقد أن هذا ما سيَحدث في المستقبل أيضاً».
وإذ كانت إسرائيل تحاول القيام بما يشبه «شراء الوقت» عبر إبلاغها وزارة الخارجية الأميركية أنها وافقتْ على تخصيص ما وُصف بـ «المناطق الآمنة الكبيرة» في جنوب غزة، وسط إيحاءاتٍ بأن «اصطياد» قادةَ «حماس» لـ«التوصل إلى اتفاق أفضل في ما يتعلق بالإفراج عن الأسرى» سيكون محصَّناً بنظام يرتكز على الذكاء الاصطناعي (هبسورا) لتحليل المعلومات وتحديد الأهداف بوتيرة أسرع وأدق تقلل الأضرار والخسائر في صفوف المدنيين، فإن ما بدا محاولاتٍ لطمأنةِ واشنطن لم يهدّئ من الخشية المتعاظمة من تشظّي خروج تل أبيب عن الضوابط الأميركية على جبهة غزة باتجاه الحدود اللبنانية – الإسرائيلية في سعي لفرْضِ أمرٍ واقعٍ على الجميع وإلحاق هذه الجبهة بأي مسارٍ لوقف الحرب في ساحتها الأمّ، وذلك على قاعدة أرضيةٍ بدأت إسرائيل بتعبيدها تحت عنوان جنوب الليطاني منطقة عازلة وخالية من قوات النخبة في «حزب الله».