سارعت حركة حماس في لبنان إلى إصدار بيان يصوّب ويوضح ما أعلنته عن تشكيل “طلائع طوفان الأقصى” في لبنان، لأنّ ردود فعل الخصم والصديق كانت واضحة حازمة تراوح ما بين الغضب والرفض وطرح أسئلة الزمان والمكان. وحتى حين زعم بيان التصويب أنّ هدف “الطلائع” تعبويّ سياسي داعم لمعركة غزة، فإنّه لا أحد اقتنع بتلك الرواية وظلّت الأنظار مشدودة إلى سطور البيان الأول لفهم وجاهة العبث بأمن البلد وأمن مخيّماته كما أمن الفلسطينيين فيه، والغرض من جعل لبنان جزءاَ من بنك أهداف الحرب في غزّة.
في بيان الإعلان في 4 من الشهر الجاري دعوة إلى “مقاومة الاحتلال بكلّ الوسائل المتاحة والمشروعة استكمالاً لما حقّقته عملية طوفان الأقصى”. وإذا ما أطلق البيان موجة غضب عارمة، لا سيما لدى المنابر والتيارات المسيحية اللبنانية على اختلاف مشاربها وتناقضها (القوات اللبنانية، الكتائب، الأحرار، التيار الوطني الحر وآخرين)، فإنّ أسئلة تدور بشأن أغراض تشكيل “الطلائع” فيما حركة حماس موجودة في لبنان وتمارس شتّى الأنشطة السياسية والتنظيمية والإعلامية والعسكرية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان.
سارعت حركة حماس في لبنان إلى إصدار بيان يصوّب ويوضح ما أعلنته عن تشكيل “طلائع طوفان الأقصى” في لبنان، لأنّ ردود فعل الخصم والصديق كانت واضحة حازمة تراوح ما بين الغضب والرفض
الحزب لم يوافق؟
فيما لم تبرّئ التحليلات الدقيقة أو المغرضة الحزب من إثم “الطلائع”، فإنّ مسارعة الحركة إلى إصدار بيانها التوضيحي قد تكشف أنّ البدعة لم تحظَ بمباركة الحزب ودعمه وأنّ الأمر قد أغضب الحزب أيضاً واستوجب التعجيل بفتوى الهدف “التعبوي” لعلّ ذلك يقفل أبواباً كانت مغلقة. غير أنّ معلومات أخرى تستبعد قيام “حماس” التي تحظى بـ “ضيافة” الحزب ورعايته بأيّ خطوة من دون استشارته وربّما بطلب منه. والأرجح أنّ “حماس” التي لاحظت اتساع البيئة الحاضنة الداعمة لغزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية عجّلت في النهل من المناسبة لتوسيع حضورها داخل البيئات الفلسطينية بما يعزّز حضورها المنافس لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتمثيلها الرسمي لفلسطينيّي لبنان.
لكنّ نفوذ حركة حماس في لبنان ذهب في الأشهر الأخيرة إلى اختراق البيئة الاجتماعية والسياسية اللبنانية. حتى إنّ مقتل مواطنين لبنانيين (وأتراك) ينتمون إلى التيارات الإسلامية في شمال لبنان في غارة إسرائيلية استهدفت مسؤولاً لحماس في جنوب لبنان في 21 تشرين الثاني الماضي، يكشف مستوى التماهي الذي بات منجزاً بين الحركة الإسلامية الفلسطينية والتيارات الإسلامية السنّيّة في لبنان. وقد تحدّثت تقارير عمّا تملكه حماس من تأثير ونفوذ لدى “الجماعة الإسلامية” إلى درجة إحداث تغيير في قيادة الجماعة لمصلحة التيار الموالي للحزب. ومع ذلك تتحدّث معلومات عن امتعاض الحزب من علاقات حماس مع جماعات إسلامية سنّية (قُتل بعضهم بالغارة الإسرائيلية) لطالما جاهرت بعدائها للحزب وإيران من ورائه.
الجوّ المسيحي المناهض لسقطة حماس وجد الأصداء نفسها لدى قيادات مسلمة اعتبرت التطوّر خطأً مرفوضاً على الرغم من اعتباره من عُدّة شغل الحزب التي اعتادوها وخَبروا التساكن معها
انقسام إخوانيّ – إيرانيّ
يدور حدث “الطلائع” الحمساوي في لبنان وسط أسئلة كثيرة بشأن قيادة حماس نفسها في الخارج ومدى دقّة تماهيها واتّساقها مع قيادة الحركة وكتائب عزّ الدين القسام في قطاع غزة. تنهل هذه الشكوك وجاهتها من حالة تباعد غامضة في علاقة الداخل بالخارج ومن اختلاف مرجعيات الداخل والخارج الإقليمية. ولا ينسى المراقب أنّ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة وصحبه بدوا وكأنّهم يتلقّون خبر “طوفان الأقصى” عبر وسائل الإعلام قبل أن يصطفّوا لأداء صلاة الشكر. كما أنّ المواقف التي عبّر عنها كلّ من القياديين في الحركة خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وغازي حمد وغيرهم، والتي فُهم منها انتقاد لأداء إيران وفصائلها واعتباره “غير كاف” لنجدة غزّة، بدت استلحاقية ومختلفة عمّا يُعرف عن قرب قيادات الداخل، يحيى السنوار ومحمد الضيف ومحمود الزهار وغيرهم من قيادات غزّة، من إيران والحرس الثوري، فيما تبدو قيادة الخارج، على الرغم من زيارة هنيّة لطهران ولقائه المرشد علي خامنئي في 5 تشرين الثاني الماضي، أقرب إلى تركيا وقطر.
بكلّ الأحوال فإنّ الإعلان عن “طلائع طوفان الأقصى” يكشف عن ارتباك في اتّخاذ القرارات الحكيمة داخل بلد يستضيف عدداً من قيادات الحركة التي تطلق من بيروت مؤتمرات صحافية مؤازرة للقسام في غزة. وفيما تتدافع التقارير بشأن مصير حركة حماس بعد الحرب في غزّة وماهية سيناريوهات حكم القطاع، بدت قيادة الحركة في الخارج وكأنّها تستعدّ لهذا الاستحقاق بالإعداد لقواعد سياسية وعسكرية لها في لبنان، خصوصاً أنّ رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) رونين بار أعلن في تسجيل بثّته هيئة البثّ العامّة الإسرائيلية يوم الأحد الماضي أنّ إسرائيل “ستلاحق حركة حماس في لبنان وتركيا وقطر، حتى لو استغرق الأمر سنوات”. يأتي هذا التطوّر وسط أنباء تتحدّث عن إمكانية تهجير قوات حماس وقياداتها من غزّة (وربّما من تركيا وقطر أيضاً) على طريقة تهجير القوات والقيادات الفلسطينية من لبنان إثر اجتياح لبنان عام 1982. ولم تخفِ هذه التقارير أن يكون لبنان المقصد والملاذ.
اللافت أنّ الجوّ المسيحي المناهض لسقطة حماس وجد الأصداء نفسها لدى قيادات مسلمة اعتبرت التطوّر خطأً مرفوضاً على الرغم من اعتباره من عُدّة شغل الحزب التي اعتادوها وخَبروا التساكن معها، حتى لو اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ “هذا الأمر مرفوض نهائياً ولن نقبل به”.
في المقابل فإنّ تصاعد جلبة تنفيذ القرار 1701 والتهديد بتعديله وإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان، يوفّر مسوّغاً للحزب للسماح بمزيد من العبث على الحدود الجنوبية لا يمكن ضبطها إلا من قبل الحزب، بما يضيف أوراقاً لإيران داخل الساحة اللبنانية على مائدة أيّ مآلات مقبلة للحرب في غزّة.