لن “تُنتِج” الجلسة التشريعية اليوم، إذا حصلت ولم يتعطّل نصابها، قانون التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. كرة النار انتقلت مجدّداً إلى الحكومة التي تعقد جلسة غداً قد تكون الأخيرة لهذا العام.
التمهيد الفعلي لجلسة السراي تُرجِم من خلال جدول الأعمال الموزّع على النواب المؤلّف من 16 بنداً، جزء منها “إشكاليّ” بامتياز وقد يحتاج إلى أشهر إضافية كي يُقرّ في أجواء توافقية هي الغائب الأكبر في هذه المرحلة. أمّا البند الـ17 المرتبط بالتمديد لقائد الجيش فلم يعد له مكان داخل قاعة البرلمان، إلا إذا قادت العبثية مجدداً إلى سباق اللحظات الأخيرة بين البرلمان والحكومة فيُحسم التمديد في ساحة النجمة… أو سقوطه نهائياً وتعريض المؤسّسة للانكشاف الكامل ولخيارات “انقسامية”!
هكذا سيتقرّر ما بين المقرّين مصير قائد الجيش الخاسر سلفاً حتى لو رَبِح التمديد بعدما تحوّل تأجيل التسريح إلى دمية “شَنّع” فيها أصحاب القرار، بمن فيهم مَن رفع لافتة تأييد التمديد حتى لو كلّفه الأمر كسر قرار مقاطعة الجلسات التشريعية، في مقابل صمت مُطبق من المعنيّ الأوّل، أي قائد الجيش الذي كان يملك، ولا يزال، فرصة ردّ الاعتبار عبر خطاب مباشر يعرّي فيه أصحاب النوايا السيّئة والأهداف المشبوهة ويرمي اللغم بين أحضان “صانعيه” على قاعدة: “أدّيت مهمّتي وخدمت المؤسّسة بإخلاص حتى آخر يوم. ولكم كسلطة سياسية أن تجدوا المخرج لتفادي الفراغ لكن ليس على حساب كرامتي”.
بين برّي والحزب: زَعَل وضغوط!
من الآخِر، وأمام التخبّط في ملفّ التمديد الذي لم تتوقّعه أخبث السيناريوهات وأكثرها دهاءً، يمكن ذكر المعطيات الآتية في محاولة فهم ما جرى في الأيام الماضية:
تفيد المعلومات أنّ فتوى التمديد التي قد تخرج بها الحكومة ستكون مستندة إلى أحد الاقتراحات الواردة ضمن الدراسة التي أعدّتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء
– وفق مصادر موثوقة تحدّثت لـ “أساس” لم يأتِ تحديد جلسة لمجلس النواب الخميس ثمّ الحكومة يوم الجمعة إلا ضمن سياق ضغط مارسه الرئيس نبيه بري، بالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي، وتحديداً على الحزب الذي أبقى ورقة التمديد عالقة حتى آخر لحظة. تقول المعلومات إنّ العلاقة بين برّي والحزب شابتها في الآونة الأخيرة لغة تخاطب سلبية غير معهودة، و”برّي أخَذَ على خاطره” لأنّ أيّ سيناريو للتمديد لقائد الجيش في مجلس النواب كان من شأنه أن يحصد غالبية كبيرة مؤيّدة للتمديد لعون تتجاوز بالسياسة وبالحسابات الرئاسية والعددية نسبة الـ 51 صوتاً التي نالها سليمان فرنجية في جلسة 14 حزيران. هذا الأمر له محاذيره التي يعرفها الحزب جيّداً، لكنّه استخفّ نوعاً ما بتداعياتها ضمن سياق محاولة الحفاظ على حلفه مع النائب جبران باسيل. يقول العارفون إنّ برّي حاول طوال الأشهر الماضية إقناع الحزب بأنّ المعركة “أسلَم” في الحكومة، وقبل وقت طويل من حَشر القوات اللبنانية لبرّي ومحاولتها ربح معركة التمديد على باسيل حتى عبر كسر قرار مقاطعتها للجلسات التشريعية.
– الساعات الأخيرة الفاصلة عن جلسة الحكومة ستكون حاسمة حيال قرار مشاركة الحزب في جلسة تأجيل تسريح العماد جوزف عون لمدّة ستّة أشهر. وبرأي متابعين أن لا شيء يُفسّر “جنون” باسيل في هجومه على قائد الجيش وتجاوزه الخطوط الحمر في أسلوب التخاطب إلى حدّ “تخوينه” واتّهامه بالفساد وقلّة الوفاء سوى تيقّنه من تغطية الحزب أخيراً لجلسة التمديد عبر إكمال النصاب وليس التصويت. هنا تفيد المعلومات بأنّ الحزب، عبر أحد وزيرَيه، ستكون له مداخلة توضح موقفه من التمديد وأسباب صمته الفترة الماضية.
– تفيد المعلومات أنّ فتوى التمديد التي قد تخرج بها الحكومة ستكون مستندة إلى أحد الاقتراحات الواردة ضمن الدراسة التي أعدّتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء. مع العلم أنّ الدراسة تعتبر، وفق المعلومات، أنّ من واجبات الحكومة، وليس فقط كخيار متاح لها، أن تعيّن قائد جيش جديداً وتملأ الشغور في المجلس العسكري، وذلك استناداً إلى قرار المجلس الدستوري الذي حَسَم دستوريّة جلسات حكومة تصريف الأعمال وممارستها وكالةً لصلاحيّات رئيس الجمهورية. لكنّ الحكومة على ما يبدو ستلجأ إلى خيارات أخرى تستند إلى عدم جواز “استيلاء” وزير الدفاع على صلاحيّات الحكومة عند التمنّع عن القيام بصلاحيّاته.والأهمّ، أنّ أي قرار بتأجيل التسريح قد يُستتبّع بملء الشغور في المجلس العسكري خصوصاً لجهة تعيين رئيس أركان بدا في الآونة الأخيرة كمطلب ضاغط من جهة النائب السابق وليد جنبلاط بالتزامن مع التمديد لقائد الجيش.
تشير المعطيات حتى الآن إلى مشاركة “القوات” في الجلسة التشريعية اليوم في محاولة لفرض البحث بقانون التمديد مع رهان على أخذ وعدٍ علنيٍّ من الرئيس برّي ببحث البند يوم الجمعة
– كان لافتاً في كلام باسيل الأخير، بعدما روّج سابقاً لقانونية قيام الحكومة بتعيين قائد جيش بالأصالة، أنّه “يَقبل التعيين بالوكالة ويرفض التعيين بالأصالة”. وقد تبيّن أنّ باسيل، بخلاف ما سبق أيضاً لوزير الدفاع أن أكّده لجهة إمكانية إجراء تعيينات عسكرية شاملة في الحكومة، قد أدار أذنيه لاجتهادات من جانب أحد الخبراء الدستوريين الذي أقنعه بخيار “القائد بالوكالة” من بين الضبّاط الموارنة، وهو الأمر الذي يخفّف عن كاهله “تهمة” التعيين بغياب رئيس الجمهورية. لكنّ ما لم يَسبق أحد باسيل عليه هو “مساواته تكليف ضابط بالإنابة لقيادة الجيش من قبل وزير الدفاع بما حصل في الضمان الاجتماعي والتنظيم المدني ووزارة الصناعة”. هي سقطة سياسية لباسيل حوّل من خلالها عناصر وضبّاط وقائد مؤسّسة عسكرية برمّتها إلى “موظّفي ضمان” خدمة لمشروع “قَبعه” جوزف عون من اليرزة.
– في مقابل تأكيد مرجع دستوري فرنسي، سألته مرجعية سياسية لبنانية عن رأيه في ما يحصل، أنّ “هناك حفلة جنون وفوضى لم أرَ مثيلاً لها في أيّ دولة”، فإنّ مصادر مُحايدة تبصم على هذا الاستنتاج بالقول: “اليوم وغداً سيُكتب ما يُكتب. لكنّ ما بعده يوم آخر. والنتيجة بعد أيام قليلة جداً سيؤدّي العسكر والضبّاط التحيّة العسكرية و”أمرك سيدنا” لجوزف عون بعد التمديد له ستّة أشهر لكن بكلفة عالية جداً”.
– في المحصّلة خسِر باسيل معركة التمديد لفترة قصيرة، لكن بالتأكيد ربح معركة حذف اسم جوزف عون من لائحة المرشّحين التوافقيين. وما حصل يُمهّد لمواقف الثنائي الشيعي من معركة وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، لذلك كلّ ما حصل مقصود وأكثر. ميقاتي من جهته لم يكن معنيّاً إلا بقدر تسجيله “نصر” توفير المزيد من غطاء المشروعية لحكومته. وسمير جعجع لم يتوانَ عن استخدام الجيش، قيادة ومؤسّسة، في حربه الكبرى لتكسير رأس جبران باسيل، فتنقّل بخفّة بين رهانه سرّاً على تأجيل التسريح في الحكومة ثمّ غيّر رأيه باتّجاه مجلس النواب. والنتيجة “فورة” غضب على ميقاتي وتولّي الأخير مهمّة فضح استراتيجية معراب بإشارته إلى “تحويل “القوات اللبنانية” الأنظار عن المأزق الذي تعاني منه بعد تراجعها عن قرارها السابق بعدم المشاركة في الجلسات التشريعية، وتراجعها أيضاً عن إعلان جعجع بأنّ أيّ جلسة تشريعية في ظلّ الفراغ غير دستورية وفجور وانعدام في المنطق”