“لبننة” الإستحقاق الرئاسي مجدداً: لمَ لا؟

غريبٌ هو الأداء السياسي لبعض الكتل البرلمانيّة والقوى السياسيّة اللبنانيّة التي تتصرّف راهناً (كما دائماً) وكأن الأمور في البلاد تسير على ما يُرام من دون أن يكون هناك أي اكتراث حقيقي للمتغيّرات والتحولات الهائلة التي تشهدها المنطقة والتي شهدها لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات مع الانهيار الكبير.

غريبٌ ألا تعتبر بعض القوى الفاعلة التي تتعامل بالسياسة على القطعة وفق مصالحها وحساباتها وأهوائها، أنّ مواصلة العمل السياسي بهذه الطريقة من شأنه جرّ البلاد الى المزيد من الخراب والدمار، ومن شأنه أيضاً الإمعان في إسقاط المزايا التفاضليّة التي كان يتمتّع بها على مدى العقود والتي تتلاشى نتيجة حالة اللاستقرار التي نمر بها.

السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المواطن اللبناني العادي هو: إذا كان الانهيار الاقتصادي والنقدي الذي شهده لبنان والتضخم غير المسبوق الذي تعاني منه الطبقات الاجتماعية المسحوقة (وليس الميسورة بطبيعة الحال)، بالاضافة إلى التطورات الاقليميّة الهائلة من العدوان الإسرائيلي على غزة وعلى جنوب لبنان؛ لا تعتبر مسببات كافية لبناء مقاربات جديدة للواقع الداخلي، فما الذي يمكن اعتباره كذلك؟

لا تشريع في ظل الفراغ الرئاسي، ولا إكمال نصاب لحكومة تصريف الأعمال، ولا انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، ولا ملء للفراغ في الإدارات العامة والمؤسسات الحكوميّة… أليست كل هذه الإخفاقات بمثابة كارثة حقيقيّة على لبنان واللبنانيين؟

صحيحٌ أنّ أي رئيس جديد للجمهوريّة لا يمتلك عصاً سحريّة ولن يتمكن من حل المشاكل والأزمات دفعة واحدة، ولكن إذا أحسن الاختيار في اتجاه انتخاب شخصيّة مرموقة (وهم كثر) تحظى بالاحترام السياسي والشعبي في الداخل، وثقة الخارج من شأنه أن يؤسس لحقبة جديدة مغايرة تماماً عن الحقبة الراهنة التي يبقى عنوانها الأساسي الشلل وفقدان المبادرة السياسيّة والترهل المؤسساتي والتعثر الدستوري والتراجع الاقتصادي.

لا يحتمل لبنان رئيساً طرفاً، كما أنه لا يحتمل رئيساً رمادياً. ليس المطلوب انتخاب رئيس يقلق الأطراف الداخليّة ما يُفشل عهده منذ انطلاقته، كما أنه ليس مقبولاً اختيار شخصيّة تنسحق أمام جهات محليّة وترتهن لها، وبالتالي ترهن القرار السياسي بالبلد لها بشكل تام بما يؤدي بدوره إلى المزيد من الاخفاقات الداخليّة على مختلف المستويات.

هل فكرة إعادة «لبننة» الاستحقاق الرئاسي اللبناني هي فكرة سطحيّة وساذجة فعلاً؟ إذا كان المطلوب إعادة «اللعبة» إلى قواعدها الأساسيّة فهل في ذلك عيب أم تسخيف؟ هل في ذلك انتقاص من قدر القوى القابضة على السلطة وناصية القرار أم على العكس تماماً لناحية إعادة الاستحقاق إلى موقعه الطبيعي؟

اترك تعليق