عنوانان أساسيان يطبعان مرحلة ما بعد “معركة التمديد” وسط الجبهة المفتوحة في الجنوب على تخوم الحدود الشمالية لإسرائيل والتي تشهد توغّلات بالعمق في القصف المتبادَل تُنبِئ بتجاوز قواعد اللعبة لا ضبطها وانحسارها:
العنوان الأوّل هو التركيز على “الاستثمار” السياسي في التفاهمات المُعقّدة التي نَسَجت قرار التمديد في آخر لحظة لقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، في ملفّ رئاسة الجمهورية.
فيما تستبعد مصادر سياسية أن تنسحب روحية هذه التفاهمات التي تقدّمها التنسيق الثلاثي الأبعاد على خط عين التينة-الضاحية-معراب ولم يغِب عنه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بطلبه التمديد لعثمان أسوة بقائد الجيش، فإنّ المعلومات تشير إلى لقاء مرتقب بين وفد من الحزب ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون ظاهره تقديم التهنئة بحلول الأعياد لكن في عمقه التداول وجهاً لوجه في المفاوضات والإجراءات التي واكبت اللعب على الحبال بين الحكومة ومجلس النواب ثمّ حسم قانون التمديد في البرلمان بمطرقة برّي وغطاء الحزب.
عون غاضب من عون
هنا ينقل قريبون من عون غضبه العارِم من قائد الجيش ومناورة الحزب و”تضليله”، وتسليم عون بأنّ التمديد لقائد الجيش لا يعني إطلاقاً رفع حظوظه الرئاسية قائلاً: “بغضّ النظر عن رأيي راهناً في قائد الجيش الذي تعيّن بقرار شخصي منّي فقط، كيف يمكن التوافق على قائد جيش تمّ خَرق القانون كي يُمدَّد له، وانتخابه رئيساً يتطلّب تعديلاً دستورياً إن كان في سدّة القيادة باليرزة أو حتى لو ذهب إلى منزله. هذا يعني أنّه قبل أن يجلس على كرسيّ الرئاسة ستسبقه مخالفتان للقانون والدستور”.
ينقل قريبون من عون غضبه العارِم من قائد الجيش ومناورة الحزب و”تضليله”، وتسليم عون بأنّ التمديد لقائد الجيش لا يعني إطلاقاً رفع حظوظه الرئاسية
العنوان الثاني هو التداعيات التي لم تنتهِ بعد للقاء قائد الجيش والنائب السابق سليمان فرنجية. هنا يؤكّد مطّلعون أنّ ما “وُصِف باللقاء العائلي تضمّن شقّاً رئاسياً بامتياز عَكَس تفاهماً مبدئياً على عدم محاربة أحد للآخر في حال وصوله للرئاسة. أكثر من ذلك، تمّ التفاهم على أنّ انتخاب فرنجية لا يعني بالضرورة حذف جوزف عون من المعادلة الرئاسية بحيث قد يبقى للأخير مكان سياسي في المرحلة المُقبلة. أمّا مع انتخاب عون فالحصّة المسيحية ستكون محفوظة لفرنجية بغضّ النظر عن موقف الحزب من انتخاب عون”.
مصير باسيل
في موازاة مشهد إقليمي بالغ الغموض وعدم وجود مؤشّرات جدّية إلى تفاهمات إيرانية-أميركية من شأنها إعادة خلط الأوراق داخلياً، ووسط المعارك الدائرة جنوباً ربطاً بإيقاع الحرب المستمرّة في غزة، تبقى تموضعات الداخل هي الأكثر نشاطاً ويتقدّمها السؤال الأكبر: ماذا سيبقى لجبران باسيل على طاولة المقرّرين في المرحلة المقبلة التي قد تشهد انتخاب عون أو فرنجية أو أيّ مرشّح آخر؟
وحده مسار الأحداث سيحدّد الحجم الحقيقي للحالة الباسيليّة في ضوء أكثر من معطى: ميشال عون الذي بات رئيساً سابقاً للجمهورية، انتخاب رئيس جديد قد يكون خصماً في السياسة لرئيس التيار الوطني الحرّ، مصير التفاهم “الواقف على شوار” بين الحزب وباسيل، واحتمال حصول تموضعات سياسية نوعية على خطّ برّي والقوات اللبنانية، والأهمّ هل من سيَسأل باسيل عن رأيه أصلاً حين “تَركب” التسوية الكبرى في المنطقة ويكون حتى الحزب ضمن عدادها؟
يكشف مطّلعون أنّه قبل بدء لقاء الدقائق القليلة بين الموفد الفرنسي جان إيف لودريان وباسيل بادر الأوّل فور مصافحته رئيس التيار الوطني الحرّ قائلاً بشيء من السخرية: .” je suis revenu”قَصَد لودريان بعبارته الردّ على ما سمعه من الرئيس نبيه بري بأنّ باسيل كان يفضّل أن لا يأتي الموفد الفرنسي بمهمّة وساطة جديدة يعتبرها غير محايدة، وهي العبارة التي قالها باسيل لبرّي في آخر لقاء بينهما في عين التينة.