إنّها المرّة الأولى التي يتحدّث فيها الأمين العامّ للحزب “عن فرصة تاريخية لتحرير الأرض”. إعلان يخفي خلفه تحوّلات ومستجدّات ويفتح على مرحلة مفصليّة في تاريخ لبنان والمنطقة. فالجملة التي قدّمها باعتبارها أرباح لبنان من فتح جبهة الجنوب، أي جبهة إسناد غزّة المفتوحة في الجنوب، تشير إلى تحوُّلين:
– وحدة الساحات في الحلّ كما في الحرب.
– والاعتراف بالدبلوماسية إلى جانب الميدان.
كما أنّها المرّة الأولى التي يربط فيها الأمين العامّ للحزب انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة في جنوب لبنان بانسحاب إسرائيل من غزة ووقف حربها على أهلها، بما يترجم عمليّاً “وحدة الساحات” في شقّها السياسي والتفاوضي، بعد الشقّ العسكري.
الرجل الذي سبق أن أعلن في أوّل خطاب له بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، أنّ الحديث يجب أن يكون إلى الأصيل الأميركي مباشرة وليس إلى الوكيل الإسرائيلي، وجّه في سطور ما قاله رسالة إلى الأميركيين وموفدهم (آموس هوكستين) الساعي على خطَّي الترسيم وتطبيق القرار 1701 بأنّ العرض وصل، لكنّ شرط قبوله مرتبط بمصير غزة ووقف الحرب عليها. وبذلك فتح نافذه على الحلّ الدبلوماسي بعد الحسم العسكري. وهو الأمر الذي استوقف الصحف الإسرائيلية فلفتت إليه صحيفة “يسرائيل هيوم” التي لاحظت أنّ “نصر الله ألمح إلى حلٍّ دبلوماسي للنقاط المتنازَع عليها في الحدود”.
لا تستبعد مصادر مقرّبة من الحزب في حديثها إلى “أساس” أن يكون في حوزة الأمين العام فائض معلومات أفضت إلى إعلانه أنّ لبنان أمام فرصة تاريخية
تفاصيل فرصة التحرير
اعتبر نصر الله أنّ “المعركة التي تجري في جنوب لبنان ثبّتت موازين الردع. ونحن أمام فرصة تاريخية اليوم لتحرير كلّ شبر من أرضنا اللبنانية ومنع العدوّ من استباحة حدودنا وأجوائنا”. ثمّ انتقل ليؤكّد، خلافاً للاعتقاد السائد لدى البعض من أن لا نتائج عمليّة لجبهة الجنوب، أنّ تلك المواجهات أفضت إلى مساعٍ دولية حثيثة واتصالات مع الحزب لوقف ساحة الحرب والاستعداد للتفاوض حول الشروط، بما يشير إلى أنّ لدى الأمين العام معلومات ومعطيات غير متوافرة عند آخرين دفعته إلى قول ما قاله. وهذا يؤكّد وجود مساعٍ حثيثة على خطّي الترسيم البرّي وتطبيق القرار الدولي 1701.
لا تستبعد مصادر مقرّبة من الحزب في حديثها إلى “أساس” أن يكون في حوزة الأمين العام فائض معلومات أفضت إلى إعلانه أنّ لبنان أمام فرصة تاريخية. وقالت المصادر إنّ لديه تفاصيل عمّا يحمله هوكستين وآخرون عن تطبيق القرار 1701 وترسيم الحدود البرّية. وإذا كان هناك استعداد لذلك فهي فعلاً فرصة للبنان، لكن ليس قبل أن تبلغ حرب غزة نهايتها المطلوبة وعودة أهاليها إلى أرضهم.
“من شرق العراق.. إلى جنوب لبنان”
تتحدّث مصادر موثوقة إلى “أساس” عن “شيء ما يحدث في الكواليس يتعلّق بترسيم الحدود وتطبيق القرار 1701. لكنّ بوادره لن تخرج للعلن قبل وقف الحرب على غزة”، وأنّ زيارة الموفد الأميركي متى حصلت يعني أنّها ستحمل بوادر حلحلة في هذا المجال. وتفسّر مصادر فاعلة على خطّ المباحثات الجارية خطاب نصر الله بأنّه “بمنزلة دفعة معنوية للجهود الدبلوماسية ورسالة مبطّنة إلى المعنيين بأنّ العمل على خطّي الترسيم كما تطبيق القرار ينتظر نهاية الحرب”. وتنبّه المصادر إلى أنّ “الأميركي ناشط على خطّ ضمان التهدئة على الحدود الشمالية لإسرائيل وعودة النازحين إلى المستوطنات، ويعتبر أنّ عنوان الاستقرار المرجوّ هو ضمان الأمن على جبهة الجنوب، وهذا لا يتحقّق إلا بتطبيق القرار الدولي وترسيم الحدود البرّية”.
الجديد هو حديث الأمين العامّ عن “فرصة لتحرير الأرض” حدّد شكلها بأنّه سيأتي موفدون دوليون ليطالبوا بتهدئة جبهة الجنوب، وحينها سيطرح الحزب قواعد جديدة. فقبل الحرب والمواجهات الأخيرة على الساحة الجنوبية لم يكن هناك مظاهر مسلّحة ولا مواجهات مباشرة مع الإسرائيلي، بينما صار الواقع اليوم مغايراً. فالصواريخ خرجت إلى العلن كما التجهيزات العسكرية والطائرات المسيّرة. والقرار 1701 الذي كان يضمن عدم وجود مظاهر مسلّحة من الحزب، بات خلفنا، بمعنى أنّ المطلوب بات انسحاباً إسرائيلياً من كامل الأراضي المحتلّة. وهو ما يعني أنّ الحرب الإقليمية المحتملة قد تحوّلت إلى “فرصة تحرير وطني، من شرق العراق إلى جنوب لبنان”.
قالت المصادر إنّ لديه تفاصيل عمّا يحمله هوكستين وآخرون عن تطبيق القرار 1701 وترسيم الحدود البرّية
أسئلة لبنان في يد هوكستين
مصادر مواكبة لحركة الموفد الأميركي قالت إنّه حمل في زيارته الماضية أسئلة من لبنان عن مدى استعداد إسرائيل لتطبيق القرار 1701 والانسحاب من الأراضي المحتلّة، ويفترض أن يعود بأجوبة شافية بشأنها. لكن ما دامت الحرب مستمرّة فلا أفق للتوافق. أمّا عودة هوكستين فقد تعني في مكان ما أنّ الحرب على غزة شارفت على نهايتها.
على الرغم من الفرصة التاريخية التي تحدّث عنها الأمين العامّ للحزب، إلّا أنّ الكلمة الفصل من ناحية الحزب هي للميدان وحساباته المتقدّمة على كلّ ما عداها وبما فيها مساعي الترسيم البرّي وغيره. فالحزب الذي يولي جبهة المواجهة جنوباً اهتمامه الأول والأخير، كثّف من منسوب عمليّاته خلال الساعات الماضية وأمطر الداخل الإسرائيلي بوابل من الصورايخ دفعت الإعلام الإسرائيلي إلى القول إنّ “الحزب جنّ جنونه علينا وهو يمطر مستوطناتنا بصواريخ نوعية ثقيلة” . جاء ذلك في أعقاب كلمة نصر الله وتأكيده أنّ الردّ على استهداف الضاحية الجنوبية ومقتل صالح العاروري آت لا محالة: فهل بدأ الردّ فعليّاً؟
المؤكّد الوحيد أنّ مفاعيل أيّ زيارة مرتقبة لهوكستين لن تكون قبل أن ينفّذ الحزب ردّه ويثأر لضاحيته وبيئته الحاضنة وضيوفه على أرضه.