هل تتسبّب الضّربات الأميركيّة – البريطانيّة ضدّ الحوثيين في اليَمَن بتوسيع نطاق الحرب في المنطقة؟
للإجابة على هذا السّؤال، لا بُدّ من عودة سريعة إلى ما كشفه الرّئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، قبل أشهر، كيف أنّ طهران أبلغت واشنطن عن نيّتها استهداف قاعدة “عين الأسد”، غرب العراق، للرّدّ على اغتيال الجنرال قاسم سُليْماني في بغداد.
كانَ التّبليغ الإيراني يومذاك يهدف إلى حفظِ ماء الوجه أمام محورٍ كامل، وداخلٍ يُطالب بالانتقام لمقتل الجنرال الأقوى في طهران.
اليوم استعانت أميركا – بايدن بالنّموذج الإيرانيّ. إذ ذكرَت مصادر عديدة جديّة أنّ أميركا أبلغَت الحوثيين قبل توجيهها ضربات جويّة وصاروخيّة إلى مواقع لهم في العاصمة اليمنيّة صنعاء، وصعدة، والحُديْدة.
ذكَرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنّ الميليشيات الحوثيّة قامَت قُبيل الضّربة، بنقل بعض الأسلحة والمعدّات المهمّة، بينما وضعت الصواريخ الباليستية في مخابئ في مدينة صنعاء ذات الكثافة السكانية العالية.
بعدَ الضّربات، حرصَت واشنطن على أن تذكر في بياناتها أنّ الهجمات ضدّ مواقع الحوثيّ جاءَت في إطار “الدّفاع عن النّفس، والرّدّ على الهجمات في البحر الأحمر”
كما نقلَت الصّحيفة أنّ سفينة تجسّسٍ إيرانيّة غادرت البحر الأحمر يوم الخميس. هذه السّفينة قالَ عنها مسؤولون أمنيّون إنّها قد تكون مُستهدفة لدورها في مُساعدة الميليشيات الحوثيّة في الهجوم على السّفن في المياه الدّوليّة.
لماذا أبلغَت واشنطن الحوثيّين؟
حرصَ المسؤولون الأميركيّون في الأسابيع الأخيرة على تِكرار عبارة أنّ بلادهم لا تُريد توسعة الصّراع في المنطقة. لكنّهم في الوقت عينه كانوا يُعبّرون عن قلق البيت الأبيض من تواصل هجمات الحوثيّ ضدّ السّفن الإسرائيليّة على طول ساحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ذهَبَ الأميركيّون إلى خيارِ “تأنيب” الحوثيّ بدلاً من “تأديبه”. وتولّت واشنطن ذلك عوضاً عن حليفتها إسرائيل. إذ إنّ توجيه الأخيرة ضربةً إلى الحوثيين يعني نقلَ الصّراع إلى مكانٍ آخر. سمِعَ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن في تل أبيب قبل أيّام، ووزير الدّفاع لويد أوستن قبل ذلك بأسابيع قليلة، أنّ إسرائيل ستتّخذُ إجراءات عسكريّة ضدّ الحوثيين في حال لم تتوقّف هجماتهم ضدّ إيلات والسّفن الإسرائيليّة. وهُنا باتت أميركا مُحرجة أمام حليفتها الأساسيّة في المنطقة، إن لم يكن على مستوى العالم.
دفَعَ الاندفاع الإسرائيليّ نحوَ البحر الأحمر واشنطن إلى اتّخاذ قرارها بتولّي الضّربة عوضاً عنها. فتنفيذ أميركا الضّربات ضدّ الحوثيين بطريقة مُنسّقة مع إيران وإسرائيل، يمنع الأولى من الرّدّ، والأخيرة من نقلِ صراع غزّة إلى سواحل اليمن، ومنها إلى المنطقة برمّتها.
بعدَ الضّربات، حرصَت واشنطن على أن تذكر في بياناتها أنّ الهجمات ضدّ مواقع الحوثيّ جاءَت في إطار “الدّفاع عن النّفس، والرّدّ على الهجمات في البحر الأحمر”.
هذا ما يؤكّد أنّ الهجوم الأميركيّ – البريطانيّ هو رسالة سياسيّة أكثر من كونه عمليّة عسكريّة. مُفاد هذه الرّسالة هو أنّ على إيران إبقاء الحوثيين وبقيّة فصائلها ضمن “قواعد اللعبة”.
يُعزّزُ هذا الرأيَ كيف أنّ كلّاً من واشنطن ولندن لم تُنفّذا الهجمات بشكلٍ سريع. إذ سبقَ ذلك تهديدات وتحذيرات استمرّت لأسابيع. كما أعلَنت واشنطن عن تحالف “حارس الازدهار”. يُضاف إلى ذلك استحصال واشنطن على قرار إدانة لهجمات الحوثيّ من مجلس الأمن الدّوليّ يمنحُ الضّربات إطار الرّدّ والدّفاع عن النّفس و”اللعب” تحت سقف مجلس الأمن، لا فوقه كما فعلت إسرائيل في قطاع غزّة.
الحوثي في اليَمن كما الحزب في لبنان: “ورقة ذهبيّة” تُريد طهران الحفاظ عليها ليومٍ قد تتعرّض فيه لضربة مُباشرة
لكن ماذا عن إيران؟
بدا جليّاً منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب في غزّة أن لا نيّة لدى طهران لتوسعة نطاق الحرب. لكنّها في الوقت عينه لجأت إلى تحريك أذرعها في لبنان والعراق وشمال سوريا واليمن من أجل الضّغط على أميركا وإسرائيل لحماية حركة “حماس”.
ولئن كانت إيران لجأت إلى ذلك، لكنّها تُحرّكُ أذرعها بطرقٍ مدروسة لا تُكلّف طهران حرباً واسعة النّطاق تجعلها في مواجهة مباشرة مع واشنطن. فالحزب في لبنان لا يزال يُقاتل ضمنَ شُعاعٍ محدودٍ وقواعد اشتباكٍ مدروسة، وهو لم يُؤثّر حقيقةً على مُجريات الحرب في غزّة ومحيطها، وإن كان تسبّبَ في نزوح آلاف المُستوطنين من الشّمال نحو الوسط.
وحده الحوثيّ كانَ له تأثير يفوق بقيّة أذرع إيران. وذلك بسبب وجود الميليشيات في البحر الأحمر وباب المندِب، ما يجعلهم تهديداً استراتيجيّاً لمصالح إسرائيل وأميركا. لكنّ البراغماتيّة الإيرانيّة تدفع طهران إلى الحفاظ على “الورقة الحوثيّة”، نظراً لما تُمثّله من مصلحةٍ استراتيجيّةٍ لإيران.
الحوثي في اليَمن كما الحزب في لبنان: “ورقة ذهبيّة” تُريد طهران الحفاظ عليها ليومٍ قد تتعرّض فيه لضربة مُباشرة. لم يكن الاستثمار الإيرانيّ في الحوثيين إلا لهذه الغاية. إذ تُدركُ إيران أنّ الخطّيْن الأحمريْن بالنّسبة لأميركا هُما: أمن إسرائيل، وأمن الطّاقة والتجارة الدّوليّة.
من هذا المُنطلق، قد تدفع طهران الحوثيين للرّدّ “المُتناسِب والمدروس” على الهجمات الأميركيّة، من باب الحفاظ على ماء الوجه، وفي محاولة لتحويل الحوثيّ إلى لاعبٍ إقليميّ، كما هو حال الحزب في لبنان.