يُرتقب أن يحقّق لبنان خطوة نوعية في مهمة العودة إلى انتظام إدارة المالية العامة للدولة تحت السقف التشريعي، وعبر إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي، ضمن المهلة الدستورية القصوى والمحدّدة بنهاية الشهر الحالي.
وتوازياً، تعكف قيادة البنك المركزي على بلورة الصياغة النهائية لخطوة نقدية تفضي إلى محاكاة موجبات العدالة في إيفاء الحقوق للمودعين في المصارف، عبر تعميم جديد يرجح صدوره منتصف الأسبوع المقبل عقب الاجتماع الدوري للمجلس المركزي، ويقضي بتمكين أصحاب الحسابات بسحب حصة شهرية بمبلغ 150 دولار نقدي (بنكنوت)، ومما يلغي تماماً مفاعيل التعميم رقم 151 الذي يفرض السحب بالليرة شاملاً اقتطاعات بنسبة تناهز 84 في المئة من القيمة الدفترية للحصة.
ومع توالي المعطيات التي تشير إلى توافقات سياسية مسبقة تتيح تأمين نصاب الهيئة العامة للمجلس النيابي، بادر رئيس المجلس نبيه برّي لدعوة الهيئة العامة للانعقاد في جلسات متتالية منتصف الأسبوع المقبل، ومخصصة حصراً لمناقشة وإقرار مواد الموازنة بعد تحديث نصوصها وأرقامها الأصلية من قبل وزارة المال، طبقاً للتعديلات الواسعة التي أدخلتها لجنة المال والموازنة النيابية.
ويشكل غياب قطع الحسابات للسنوات المالية السابقة وخلو المشروع من تدابير إصلاحية صريحة، ثغرة محورية ومستمرة في استهداف إعادة الهيكلة المنشودة لمالية الدولة، حسب مسؤول مالي معني، وبحيث يمكن أن تشكل محفزاً لأصوات اعتراضية من قبل كتل نيابية وازنة، إنما لا يتوقع أن تعطّل الإقرار التشريعي لقانون الموازنة، وبما يفضي إلى قطع الطريق على إصداره بمرسوم من قبل مجلس الوزراء.
كما يتوقع أن تلقى الخطوة تأييداً مشروطاً بالتحفظ من قبل مؤسسات مالية دولية معنية بأزمات لبنان المالية والنقدية، بحيث يتم تقييمها إيجابياً في البعد القانوني البحت لإعادة انتظام الواردات والإنفاق الحكومي، مع عدم إسقاط الاتهام الأساسي بالتنصل المستمر من التزام البنود الواردة في الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي، والتي تفرض ضمن الموجبات الشرطية للاتفاق النهائي، تنفيذ إصلاحات مالية تضمن إلى جانب إعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، إبقاء الدين في حدود مستدامة وخلق حيز للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار والبنية التحتية.
وبمعزل عن الأرقام النهائية التي ستستقر عليها البيانات النهائية للواردات والإنفاق، وما ستظهره من انقلاب محتمل للعجز في المشروع الأساسي للحكومة إلى فائض جزئي غير مؤكد ربطاً بغياب الإفصاحات الشهرية لأداء المالية العامة، تبرز ثغرة إضافية في تجنّب المسألة الشائكة المتعلقة بتوحيد أسعار الصرف، وهو ما يتعارض أيضاً مع توصية صندوق النقد بوجوب اتساق الموازنة مع عملية توحيد سعر الصرف. كذلك تجنب منح تفضيلات لبعض دافعي الضرائب على حساب الآخرين. ويجب أيضاً أن تتضمن موارد كافية لإعادة بناء إدارة الضرائب لتعزيز الامتثال وزيادة عدالة الضرائب.
ويمكن للتدبير النقدي المرتقب أن يشكل، وفقاً للمسؤول المالي، دعامة جديدة إلى جانب التعميم رقم 158 والذي يتيح لأكثر من مئة ألف مودع سحب 400 أو 300 دولار شهرياً، بحيث يتم الاستناد إلى سريان البدلات المحدثة لموارد الخزينة بالسعر الواقعي للدولار بوصفه منطلقاً لتوحيد أشمل للسعر الرسمي لليرة على قاعدة السعر الواقعي.
وريثما يتم البتّ بالمرجعية الصالحة لتحديد السعر الجديد للعملة، ووسط توقعات بأن يكون ثمرة تنسيق بين وزارة المال وحاكمية البنك المركزي، ومعززاً بموافقة مجلس الوزراء، يظل السعر الرسمي الحالي سارياً في الإفصاحات المالية والموازنات الدورية لمكونات القطاع المالي، ولا سيما البنك المركزي والجهاز المصرفي والشركات المالية.
وبذلك، يؤكد المسؤول المالي أن تحقيق خطوتي إقرار الموازنة وتصحيح بدلات حصص السحوبات الشهرية للمودعين، من شأنه إنتاج أجواء أفضل للسلطتين التشريعية والتنفيذية لاستكمال الاستجابة للموجبات المنشودة التي يشترطها صندوق النقد، وبما يشمل اتساقها بإصدار قانون الضوابط على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) وتصحيح أوضاع المصارف وقانون استعادة الانتظام المالي