لا تزال المواجهة المفتوحة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحتاج للكثير من الدراسة والمتابعة، على أكثر من مستوى. مستوياتها ستكون مرتبطة ببعضها البعض، عسكرياً، أمنياً وسياسياً.
يستمر المسؤولون الإسرائيليون في توجيه تهديداتهم للبنان والحزب. وكان آخرها ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن أن تل أبيب ستواصل عملياتها العسكرية حتى لو توقف الحزب عن شن عملياته. ينطوي هذا الكلام على تناقض مع تسريبات تشير إلى محاولة الإسرائيليين استفزاز الحزب واستدراجه ليبدأ هو بالحرب. ويتناقض أيضاً مع التسريب الذي نشر في إسرائيل حول اقتراح هدنة 48 ساعة، فإن التزم بها حزب الله يمكن تطويرها، وإن لم يلتزم فستعمل إسرائيل على توسيع عملياتها.
خطة الحرب
موقف غالانت الأخير ينطوي على الاستمرار في المزايدة الداخلية في إسرائيل أولاً. ثانياً، هذا الموقف إلى جانب كل الخلافات الإسرائيلية المتفاقمة، يخدم حزب الله وسرديته حول ديمومة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. وبالتالي، سيستخدم الحزب هذه المواقف لتثبيت سرديته في الداخل اللبناني رداً على المعترضين عليه، وأمام المجتمع الدولي، وخصوصاً الأميركيين الذين يضغطون على لبنان والحزب لوقف شن العمليات، لعدم إعطاء مبررات لإسرائيل بتوسيع هجومها.
أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي كلامه في ظل إيفاده وفداً من وزارته إلى واشنطن، للبحث في أفق الحرب على غزة وإمكانية التصعيد مع لبنان، وبغية الحصول على مساعدات عسكرية أميركية جديدة لمواجهة الحزب في الجنوب اللبناني. ذلك أيضاً، لا ينفصل عن التسريبات الإسرائيلية المتعمَّدة حول التوقيع على الخطة العسكرية من قبل الجيش للهجوم على لبنان، وانتظار المصادقة عليها سياسياً من قبل الحكومة الإسرائيلية، والتي تشهد خلافات متوالية وتقرِّبها من لحظة الانفجار.
الكسب السياسي
يرفع الإسرائيليون من وتيرة تهديداتهم، ومحاولاتهم الضغط بأكثر من طريقة، وسط استبعاد لبناني ولدى الحزب بالتحديد من إمكانية توسع الحرب. في المقابل، هناك آخرون يعتبرون أن إسرائيل لن تفتح على نفسها جبهة واسعة في لبنان، طالما أنها تعتبر الحزب لا يريد الدخول بحرب واسعة. وهي تفضل بقاء الوضع العسكري على ما هو عليه، لجهة تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية بحق كوادر وقادة ميدانيين من جهة، بالإضافة إلى السعي لتدمير كل البنى التحتية العائدة للحزب في جنوب نهر الليطاني. بذلك يعتبر هؤلاء أن إسرائيل تحقق ما تريده أو ما تفرضه من شروط. لكن في النهاية، لن يكون كسبها سياسياً. فحزب الله سيبقى قادراً على القتال وتعزيز قواه في الجنوب، وحينها سيكون الحل مبنياً على اتفاق أو تسوية أو مفاوضات دولية، تكون فيها اسرائيل هي التي خسرت والحزب هو الذي ربح.
هذه القراءة، تأخذ بالاعتبار حجم الخسائر الكبرى التي يصاب بها حزب الله، لجهة الكوادر والقادة والعناصر الذين يستشهدون. لكنه في المقابل هو سيكون من حقق الكسب السياسي. أولاً، في سرديته اللبنانية سيقول إنه تحمل كل الأكلاف والأعباء لردع الإسرائيليين عن شن حرب على لبنان، ولم يحمّل لبنان كله أثمان هذه الحرب بل تحملها هو في الجنوب. ثانياً، تلك السردية أيضاً ستكون هي الحاضرة في أي مفاوضات مع القوى الدولية في الجنوب، بوصف إسرائيل هي المعتدية، وأن أي حل سيكون وفق شروط الحزب.
المجتمع والأمن
على المستوى الاجتماعي في الجنوب اللبناني أو في المستوطنات الشمالية، نجح حزب الله بإقامة توازن واضح، إذ مقابل اللبنانيين الذين تهجروا من منازلهم، هناك عدد مواز لهم تم تهجيره في اسرائيل. وهذه سابقة تاريخية تجعل الحكومة الإسرائيلية في مواجهة مشكلة حقيقية يعبر عنها سكان المستوطنات. ولذا، فإن المعادلة ستكون مرتبطة بتسوية أوضاع سكان المستوطنات مقابل تسوية أوضاع سكان الجنوب اللبناني.
أما على المستوى الأمني والعسكري، فحزب الله اعتمد منذ اليوم الأول نهجاً واضحاً، وهو إبقاء لبنان جبهة إسناد لا جبهة حرب مفتوحة. لذلك، يلتزم بضربات روتينية على المواقع التي أصبحت معروفة. فيما يرفع السقف رداً على اغتيال باستهداف قواعد عسكرية كبرى عندما تدعو الحاجة.
في المقابل، الإسرائيلي أحدث نوعاً من التفوق التكنولوجي والأمني على المستوى الحربي، لجهة الأهداف التي يضربها ويحقق إصابات فيها، وصولاً إلى اختراقات أمنية تقنية عبر الاتصالات أو الكاميرات أو غيرها.. والتي منحته داتا معلوماتية كبيرة حول مواقع وتحركات كوادر الحزب وقادته الميدانيين. وهذا هو التفوق الذي سجلته إسرائيل، فيما يبحث الحزب عن اعتماد آليات جديدة للرد على هذه الاغتيالات من دون الانزلاق إلى حرب، وبشكل يعيد تشكيل توازن الردع، بالإضافة إلى اعتماد إجراءات توفر الحماية وتحد من التفوق الإسرائيلي أو الخروقات.