يَصدر الأسبوع المقبل عن المجلس الدستوري القرار في شأن الطعن المقدّم من نواب تكتّل لبنان القوي بقانون التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون.
على أهميّة القرار الذي سيَصدر عن المجلس الدستوري، خصوصاً أنّ مراجع قانونية كبيرة تعتبر قانون التمديد مخالفاً للدستور لأنّ “نواب الأمّة فصّلوا قانوناً على قياس أشخاص”، فإنّ علامات استفهام كبرى تُطرح حول احتمال عدم حضور كلّ أعضاء المجلس الدستوري بهدف تعطيل اتّخاذ القرار، أو الضغط لخروج المجلس الدستوري بـ”لاقرار” كما حصل في شأن الطعن الذي قدّمه نواب التيار الوطني الحرّ بالتعديلات على قانون الانتخاب في 21 كانون الأول 2021.
مشلب: النصاب مضمون
في هذا السياق، يؤكّد رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب لـ “أساس” أنّ “اكتمال النصاب مضمون، لأنّ خلاف ذلك ستكون الأمور مفضوحة. في الداخل لكلّ عضو في المجلس رأيه القانوني، والتصويت يَحسم”.
يكشف مشلب أنّ “القرار سيصدر عن أعضاء المجلس قبل نهاية الشهر، والأرجح الخميس أو الجمعة المقبلين، ونحن الآن في مرحلة المذاكرة بعد تقديم المقرّر تقريره”.
لا يقبل مشلب مجرّد التلميح إلى نتيجة الطعن، لكنّه يتحدّث عن الاحتمالات: “قد يصدر القرار بقبول الطعن إذا وجد المجلس أنّ قانون التمديد مخالف للدستور، أو يرفضه، أو لا يصدر قراراً”.
مصادر متابعة تستبعد فرضية قيام أعضاء في المجلس عمداً بتعطيل نصاب الجلسات، لكنّها تتحسّب لكون القوى السياسية التي مدّدت لقائد الجيش لها أذرعها داخل المجلس
في هذا السياق يشير مشلب إلى “ثغرة في قانون المجلس الدستوري، إذ في حال لم نتوصّل إلى أخذ القرار بأكثرية سبعة من عشرة أعضاء، ورَسَت المعادلة على ستّة أعضاء في مقابل أربعة أعضاء ذوي رأي مختلف، فإنّ الأقليّة تعطّل قرار الأكثرية”.
يُذكر أنّ المادة 37 من المجلس الدستوري تنصّ على الآتي: “إذا أعلَن القرار بطلان النصوص المخالفة للدستور كليّاً أو جزئياً يُعتبر النصّ الذي تقرّر بطلانه كأنّه لم يكن، ولا يُرتّب أيّ أثر قانوني. وإذا لم يَصدر القرار ضمن المهلة القانونية يكون النصّ ساري المفعول ويُنظّم محضر بالوقائع ويُبلّغ رئيس المجلس المراجع المختصّة عدم توصّل المجلس إلى قرار”. أمّا التئام المجلس فيستوجِب نصاباً من ثمانية أعضاء من أصل عشرة، وقراره يُتّخذ بأكثرية سبعة أصوات.
“لا أغيّر قناعاتي”
يقول القاضي مشلب: “أنا واحد من عشرة أعضاء في المجلس وسأقول قناعاتي، ولا يمكن أن أغيّرها”، مشيراً إلى أنّه “إذا قُبِل الطعن وأُبطِل قانون التمديد فعلى السلطة السياسية بين مجلس النواب ومجلس الوزراء إيجاد الحلّ”.
ثمانية أسباب موجبة ارتكز عليها الطعن الموقّع من عشرة نواب من التيار الوطني الحر في القانون الذي أقرّه مجلس النواب بمادّة وحيدة في جلسة 15 كانون الأول الماضي، وجاء فيه: “بصورة استثنائية وخلافاً لأيّ نصّ آخر، يُمدّد سنّ تقاعد العماد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة والعسكرية، العسكريين منهم، والذين يمارسون مهامّهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء، ولا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون وذلك لمدّة سنة من تاريخ إحالتهم على التقاعد”.
لكنّ الركيزة الأساسية للطعن بالنسبة لمقدّميه هي افتقاره إلى “التجرّد والعمومية والشمولية والمساواة والعدالة بين المواطنين وتفصيله على قياس ثلاثة أشخاص حصراً، مع العلم أنّ هدف القانون الحقيقي هو فقط قائد الجيش، إضافة إلى التمييز الفاضح بين الضبّاط ورؤساء الأجهزة الأمنيّة وحاملي الرتب من نفس الفئة الممدّد لها”.
يقول القاضي مشلب: أنا واحد من عشرة أعضاء في المجلس وسأقول قناعاتي، ولا يمكن أن أغيّرها
هل يُقبل الطعن؟
أمام طعن قد يجد بعض نواب المجلس الدستوري أنّه مفصّل بامتياز على قياس أشخاص يلعب التصويت داخل المجلس المُنقسم طائفياً وفق معادلة ستّة وستّة مكرّر (خمسة مسيحيين وخمسة مسلمين) دوراً حاسماً في صدور القرار.
يقول رئيس المجلس: “طبعاً في حال قانون التمديد كان مخالفاً للدستور لا يستطيع المجلس الدستوري رفض الطعن. في قرارات سابقة أصدرها المجلس وضعنا مصلحة الدولة العليا في الاعتبار، لكن إذا كان هناك وسيلة للوصول إلى هذه المصلحة بقانون غير مخالف للدستور، طبعاً نمشي بالأمر وما عنّا مشكلة”.
يوضح مشلب: “بشكل عامّ في ظلّ الأخذ بمعطى مصلحة الدولة العليا يجب أن لا تكون مخالفة الدستور قويّة، وفي حال المخالفة لم تكن فاضحة وليس هناك أيّ حلّ آخر متاح عندها لا يُقبَل الطعن. لكن إذا كانت هناك حلول أخرى مُطابقة للدستور ومتوافرة نقول لهم إذهبوا إليها”.
يتمسّك مشلب بضرورة توافر “العمومية والمساواة بأيّ قانون. وسنرى هل كان لديهم أيّ حلّ آخر. وإذا لم يكن لديهم حلّ فماذا نفعل؟ هل نخرّب البلد؟”.
لكن ماذا عن المهلة الفاصلة إذا قَبِل المجلس الدستوري الطعن وارتأى أنّ السلطة السياسية كان لديها فعلاً خيار آخر ولم تلجأ إليه؟ هنا يقول مشلب: “إذا أبطلنا القانون فعندها طبعاً يذهب قائد الجيش إلى منزله. ففي حالة الضرورة يتسلّم الضابط الأعلى رتبة بغضّ النظر عن طائفته إلى حين إيجاد الحلّ القانوني”.
إقرأ أيضاً: المجلس الدستوريّ: “سقطة” ثانية؟
لا تعطيل للنصاب
مصادر متابعة تستبعد فرضية قيام أعضاء في المجلس عمداً بتعطيل نصاب الجلسات، لكنّها تتحسّب لكون القوى السياسية التي مدّدت لقائد الجيش لها أذرعها داخل المجلس بفعل الحصص السياسية الموزّعة داخله.
لذلك تحديداً يَستبعد كثيرون أن تُكسَر هذه الإرادة السياسية داخل المجلس الدستوري فيَصدر قرار بقبول الطعن. مع العلم أنّ القاضي مشلب مشهود له، في الوسط القضائي عموماً، بحياديّته وشفافيّته بغضّ النظر عن كونه نتاج خيار الرئيس ميشال عون في هذا الموقع.