لا يشعر اللاعبون الكبار في لبنان بوجود مناخ داخلي أو خارجي مساعد على إنضاج تسوية رئاسية في وقت قريب. وقد أظهرت كلمات النواب في جلسات مجلس النواب المخصصة لمناقشة مشروع الموازنة، أن الانقسامات لا تزال عند حدودها، وقد أضيفت إليها تداعيات المواجهة القائمة مع العدوّ على الحدود الجنوبية.وعلمت “الأخبار” أنه جرت محاولة من قبل مرجعيات مسيحية لفحص إمكانية كسر الجمود في الملف الرئاسي حالياً. لكن الاتصالات التي جرت، دلّت على أن الأطراف الأساسية ليست في وارد البحث في خطوة كهذه الآن. وأن حزب الله على وجه الخصوص لا يجد أن هناك ما يفرض تعديلاً على موقفه الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بينما يكرر المعارضون له مواقفهم، مع تحذير منهم أن تكون هناك تسوية سياسية كبيرة على هامش البحث في ملف الحدود.
وحول هذه النقطة، كشفت المصادر أن البحث الذي بدأه المستشار الأميركي آموس هوكشتين حول الملف الحدودي تناول في جانب منه ما سمّاه مطّلعون “التسوية السياسية الداخلية التي تنتج حكماً يقدر على حماية أي اتفاق حدودي”. وقال هؤلاء إن البعض يفكر في أن أي اتفاق مرتقب لإعادة ترتيب الوضع في الجنوب يحتاج الى تغطية سياسية داخلية، وخصوصاً من جانب المؤسسات الرسمية. حتى قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يضعه الأميركيون في أجواء الاتصالات، قال صراحة إن الجيش لا يقدر على القيام بأيّ خطوة من دون وجود غطاء سياسي حقيقي.
وبينما ينفي مقربون من حزب الله وجود أيّ بحث حول هذا الجانب، وأنه لا يقدّم حتى رأيه في الأفكار الأميركية الخاصة بالجنوب، قال المطّلعون إن الجانب الأميركي أثار مع الحكومة الفرنسية مسألة أن يكون تحريك الملف الرئاسي والملف الاقتصادي الداخلي مرتبطاً مع المساعي الخاصة بترتيب جديد للوضع على الحدود جنوباً. وقال المطّلعون إن خروج أصوات من جانب الفريق المعارض لخيار فرنجية “محذّرة” من محاولة تحويل الملف الرئاسي الى بند في مفاوضات خارجية مع حزب الله، هو بالضبط مصدر القلق الناجم عن خشية هؤلاء، أن يعرض الجانب الأميركي تنازلات في الملف الرئاسي مقابل حصوله على اتفاق مع حزب الله بشأن الوضع على الحدود الجنوبية، وأن هذا الفريق لا يرى أن واشنطن ستكون معترضة على تولي فرنجية رئاسة الجمهورية إن ضمن هو أيّ اتفاق بشأن الجنوب.
ولفت المطّلعون الى أن ما يظهر اليوم من تباين بين سفراء دول اللجنة الخماسية، ربما يعكس في جانب منه اعتبار السعودية ومعها قطر ومصر، أنّ من غير الجائز مقايضة حزب الله بالملف الجنوبي مقابل منحه رئاسة الجمهورية. ولفتت المصادر إلى أن السعودية تريد توجيه رسالة الى الأميركيين والإيرانيين بأنها لن تكون خارج أي تسوية داخلية في لبنان، محاولة حجز مقعد لها”، ولا سيما “بعد زيارة هوكشتاين لبيروت منذ أسبوعين لتسويق الحل السياسي في الجنوب الذي يبدأ بوقف إطلاق النار بالتوازي مع الانتقال الى المرحلة الثالثة في غزة، ويصل الى اتفاق شامل يتضمن النقاط المتنازع عليها والانسحاب من بعض المناطق وتطبيق القرار 1701”. ويبدو أن الرياض، بشكل خاص، تقول بأن أي محاولة لفرض تسوية لن تؤمن فوزاً مريحاً لفرنجية وسوف يكون رئيساً ضعيفاً، علماً أن حزب الله سبق أن أبلغ جهات عدة أنه لا يقبل أن يضمن الملفات الداخلية في أي بحث يجري معه مباشرة أو بطريقة غير مباشرة حول الصراع مع العدو.
تجدر الإشارة هنا الى أن السفير السعودي في بيروت وليد البخاري حرص في لقاءات جمعته مع شخصيات سياسية وإعلامية معادية لحزب الله على القول إن الاتصالات الجارية بين بلاده وإيران جيدة جداً، لكنها لا تؤثر على موقف الرياض من الحزب. وشرح بأن التعليمات التي تأتيه من وزارة الخارجية تمنعه من أيّ تواصل مع أيّ مسؤول في حزب الله، وأن هذا القرار سرى على فكرة أن يقوم بتقديم واجب العزاء الى رئيس كتلة نواب حزب الله النائب محمد رعد بعد استشهاد نجله بقصف إسرائيلي في الجنوب. وقال البخاري: نحن لا نزال نصنّف حزب الله كمنظمة إرهابية، وعلاقتنا مع إيران هي علاقة دولة بدولة، ولا تؤثّر على موقفنا من الحزب.
ليزا غير دوروثي
في هذه الأثناء، وبعدَ البلبلة التي أُثيرت حول المواعيد المتضاربة لجولة سفرائها على المسؤولين، استقبل سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، في دارته في اليرزة سفراء اللجنة الخماسية: الأميركية ليزا جونسون، الفرنسي هيرفي ماغرو، القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، والمصري علاء موسى، بهدف “دوزنة” حراكهم الذي تبيّن أنه لا يحمِل شيئاً جديداً، وخاصة بعدما بنى عليه الكثيرون، وبادر البعض إلى الحديث عن مبادرة جديدة تتعلق بالفراغ ووجود ضغط خارجي يهدف الى الإسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية ربطاً بالتطورات الأمنية والعسكرية.
وعلمت «الأخبار» أن السفراء اتفقوا في ما بينهم على الاجتماع عند البخاري، وخاصة بعدَ «الإحراج» الذي تسبّبوا به لزميلهم بعدم حضور اللقاءات التي نسّقها، ولا سيما مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليتبيّن بعدها أن هناك «منافسة» على قيادة الحراك، وامتعاض لدى السفراء من طريقة عمل البخاري، وخصوصاً السفيرة الأميركية التي “تريد محو كل آثار السفيرة السابقة” في طريقة التعامل مع السياسيين والديبلوماسيين في لبنان، وهي لا تريد حكماً أن تبدو ملحقة بالبخاري.
وبحسب مصادر مطّلعة على نشاط السفارة الأميركية، فإن جونسون، التي تملك علاقات سابقة مع شخصيات لبنانية كثيرة، لا تريد العمل وفق الأجندة المتعارف عليها، وهي ستستفيد من إحالة الموظف اللبناني في العلاقات العامة زياد الحافظ الى التقاعد، في وقت قريب، لإعادة ترتيب وضع فريق العمل الخاص بها، وحيث يتوقع أن تستقدم موظفين جدداً من الخارج ليحلّوا محل موظفين حاليين يتوقع أن يغادروا بيروت.
السعودية تدعم حلفاءها وترفض إدخال بند الرئاسة في أيّ تسوية أميركية مع حزب الله
وكشفت المصادر أن «عدم التنسيق والتخبط في عمل اللجنة» ساهما في تجميد مهمة المبعوث القطري أبو فهد جاسم بن فهد آل ثاني، علماً أنه موجود في بيروت منذ يوم الأحد الماضي، لكنه لم يلتقِ أياً من القوى السياسية حتى الآن.
واستغربت المصادر ما يقال عن تحضير الأرضية الداخلية لتسوية رئاسية، والعمل على تحديد مواصفات الرئيس والمهام المطلوبة منه، مؤكدة أن “لا شيء يحدث من هذا القبيل”. وأشارت المصادر إلى أن “الحد الأقصى الذي يقوم به السفراء هو وضع كاتالوغ للمواصفات الرئاسية والبحث في موعد الاجتماع المقرر عقده، علماً أن لا المكان ولا الزمان قد حدّدا للقول بأن هناك رؤية مشتركة بين دول اللجنة الخماسية”.
وكشفت المصادر أن “الأميركيين غير معنيين اليوم بالملف الرئاسي، وأن أمن إسرائيل والترتيب السياسي على الجبهة الجنوبية هو كل ما يشغل بالهم”، مشيرة إلى أن “ما قامت به السفيرة الأميركية في بيروت، عمداً، كان الهدف منه التأكيد على عدم جهوزية الولايات المتحدة للخوض في الملف، وأنها لن تسمح لأيّ طرف في الخماسية بتصدر المشهد من دون التنسيق معها”، وخاصة أن “كل طرف يركّز على نقطة معيّنة متصلة بمصلحته”.