شبكة الاتصالات الثابتة والإنترنت ساقطة بالكامل بيد شركة أميركية تُدعى ACUATIVE، أصحابها وأبرز مديريها إسرائيليون. حصل ذلك قبل سبع سنوات، بعد عقدٍ أبرمته وزارة الاتصالات مع الشركة التي حصلت على «داتا» تخوّلها التجسّس على المستخدمين وتحديد عناوينهم. العقد – الفضيحة عاد إلى الأضواء، بعدما شهدت الشبكة أخيراً سلسلة اختراقاتٍ ولّدت شكوكاً كبيرة بأنّ العدو يستخدم هذه الداتا في حربه الاستخباراتية الحالية وعملياته الأمنية في لبنان
يُفترض أن يدعو رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب إبراهيم الموسوي أعضاء اللجنة النيابية للاجتماع، بعد غدٍ الأربعاء، لمناقشة مسألة الأمن السيبراني، انطلاقاً من الخروقات التي طاولت أنظمة مطار بيروت ومواقع رسمية أخرى، والاتصالات التي تجريها استخبارات العدو على شبكتَي الهاتف الثابت والخلوي من أرقام لبنانية حقيقية، للحصول على المعلومات أو لتوجيه تهديد. وسيُدعى إلى الاجتماع قادة الأجهزة الأمنية ورئيس هيئة «أوجيرو» عماد كريدية. وعلمت «الأخبار» أن الاجتماع سيركّز على العقد مع ACUATIVE، وأن الموسوي سيطلب من وزير الاتصالات جوني القرم تأمين نسخة من العقد الذي بخضع للسرية حتى الآن.
التركيز على هذا العقد (راجع «الأخبار» الإثنين 9 تموز 2018) نابع من الريبة التي تثيرها تفاصيل إبرامه. ففي عام 2017، وقّع وزير الاتصالات آنذاك جمال الجراح عقداً بالتراضي مع ACUATIVE المتخصّصة في شبكات الخدمات الرقمية، لإجراء تدقيق تقني ميداني في البنية التحتية لشبكة الإنترنت، وإعداد دراسة تحليلية حول تجهيزاتها. الاتفاق لم يُسجّل في الدوائر المختصّة في وزارة الاتصالات، ولا يملك أحد في «أوجيرو» أو الوزارة نسخة عنه. وبموجبه حصلت الشركة على معلومات سرية وخرائط هندسية وكلمات السر وبيانات التشغيل والنظم العملانية والبرمجيات، وهي معلومات تسمح لها بالدخول إلى نظام البريد الإلكتروني الداخلي ومعرفة آليات عمله ومضمونه الصادر والوارد، ومعرفة عناوين وكلمات السر لجميع العلب الهاتفية البريدية الإلكترونية للعاملين في الهيئة. كما حصلت على حقّ الولوج إلى مختلف المعدات والأجهزة التقنية والتجهيزات والحواسيب والمقسمات التقنية العائدة إلى شبكة الإنترنت، وإلى جميع البرمجيات والهندسيات المرتبطة بها، وإخراج جميع المعطيات والمعلومات التي تجمعها أثناء عملها من لبنان وإرسالها إلى مركز التحليل والدراسة العائد إليها في الولايات المتحدة، في وقت لم توقّع الشركة ما يلزمها بالحفاظ على سرية المعلومات.
يومها اعترض موظفون في مديرية المعلوماتية في «أوجيرو» على تسليم «داتا»، وقالوا إنها تعرّض الشبكة لخطر القرصنة، وتكشف أسرارها، وإنّ ما تطلبه الشركة من معلومات لا يحقّ لها الحصول عليه، وإنه ليست هناك مهمّة تحتاج إلى كل هذه التفاصيل. وهو ما يتطابق مع رأي خبراء في الاتصالات، أكّدوا لـ«الأخبار» أنّ «ما تمتلكه الشركة من بيانات، يخوّلها معرفة عناوين المستخدمين، والتجسّس عليهم وتعقّبهم، مستبعدين حاجتها إلى هذا الكمّ من المعلومات التفصيلية لإجراء أي دراسة كانت».
«الأمن السيبراني» أمام لجنة الاتصالات النيابية بعد الخروقات الأخيرة للشبكات من إسرائيل وجهات مجهولة
عام 2019، عقدت لجنة الإعلام والاتصالات جلسات لمناقشة الأمن السيبراني، حضرها ممثلون عن الأجهزة الأمنية وعدد من الوزارات، وشُكّلت لجنة برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، وضعت مجموعة توصيات لم يُنفّذ منها شيء، رغم أن المعطيات الأمنية يومها أكّدت هشاشة الأمن السيبراني وأنّ مستوى الحماية المعمول به متدنٍّ جداً. ومنذ خمس سنوات، طُوي الملف، ولم يُعلن عن نتيجة دراسة ACUATIVE وخُلاصاتها، قبل أن يُعاد فتح النقاش حولها من باب الخروقات الحالية للشبكة، والتي لم تتوصل التحقيقات لغاية اليوم بشأنها إلى نتيجة حاسمة. إلا أن وجود مثل هذا الانكشاف، برأي مختصّين في القطاع، «يفترض أن يشكل نقطة ارتكاز في التحقيقات القائمة».
تجدر الإشارة إلى أن القضاء لم يتحرّك في حينه للتحقيق بشأن تعريض أمن البلد للانكشاف، كما لم يقم مجلس النواب بدوره. وهو أمر أثار الريبة كون أصحاب الشركة والمديرين النافذين فيها، يحملون الجنسية الإسرائيلية، كما لم يؤخذ رأي مكتب مقاطعة إسرائيل في لبنان عن إمكانية التعاون معها.
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدام الشبكة الهاتفية الثابتة في اتصالات تجريها مع مواطنين لبنانيين لأغراض أمنية. وتبيّن أن وحدة أمنية تابعة للاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال تستخدم عملاء لبنانيين، سواء من الذين كانوا في عداد ميليشيات أنطوان لحد، الذين فرّوا الى كيان العدو عقب التحرير عام 2000، أو آخرين يتم تجنيدهم لغرض التواصل مع لبنانيين من مناطق معينة. ويحتاج العدوّ الى متحدّثين بلغة عربية واضحة وبلكنة لبنانية، وحتى بلكنة بعض المناطق في المحادثات التي يجرونها مع مواطنين منتحلين صفة عناصر أمنية أو مراكز دفاع مدني، ويستهدفون جمع معلومات من أشخاص أو منازل. ولم تتمكن الجهات الرسمية من اتخاذ الإجراء التقني الذي يحول دون قدرة العدوّ على استخدام الشبكة الثابتة، علماً أن العدوّ يفضّلها على الشبكة الخلوية التي لا تساعده في مهمته، كونها تبقى أقلّ ثقة من قبل متلقّي الاتصالات.