هل يمكن أن يكون الفصل بين انتخابات رئاسة الجمهورية وبين البحث عن تسوية لترتيب الوضع في الجنوب واقعياً؟
كل الطروحات الديبلوماسية تشير إلى ضرورة الفصل بين الملفين. علماً أن حزب الله كان قد أوقف كل مسارات التفاوض على سائر الملفات، بانتظار وقف إطلاق النار في قطاع غزة وانسحابه على الوضع في الجنوب. عملياً، فإن طلب اللجنة الخماسية بالفصل بين الملفات لاقى ترحيباً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي. لكن هذا “الترحيب” يبقى في الإطار البروتوكولي والديبلوماسي، إلا أنه من الناحية الواقعية لا تسوية شاملة من دون الترابط بين الملفات.
التهدئة الإيرانية
وفي موازاة تحرك الخماسية، تبرز زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى بيروت الخميس. وهي تأتي بعد لقاء عقد بين كاميرون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لندن. في ذلك اللقاء أوصل كاميرون المزيد من رسائل التحذير ووجوب تجنب التصعيد بين إسرائيل وحزب الله.
ما يحمله وزير الخارجية البريطاني واضح، خصوصاً في ظل المعلومات التي تفيد بأن لندن تسعى أيضاً لبناء قواسم مشتركة مع لبنان، من خلال اقتراحات متعددة لتطبيق القرار 1701. وتأتي زيارة كاميرون بالتزامن مع وصول المزيد من الرسائل التحذيرية حول ارتفاع احتمالات التصعيد التي تزايدت في الأيام الأخيرة، لا سيما في ضوء تسريبات تتحدث عن أن الوصول إلى هدنة في قطاع غزة يمكن أن يدفع الإسرائيليين لتوسيع نطاق عملياتهم في لبنان. لذلك، فإن زيارة كاميرون هدفها البحث مع اللبنانيين في كيفية تجنب هذا التصعيد، عبر تفعيل المفاوضات. وتشير مصادر متابعة إلى أن البيان الذي أصدره حزب الله يوم الثلاثاء معلناً وقوفه خلف الدولة اللبنانية في مفاوضات الترسيم أو معالجة الوضع الحدودي، وأن القرار بيدها.. لا بد أن يكون له أثر على المساعي لإرساء مسار التفاوض، وسط معطيات تفيد بأنه بعد الوصول إلى هدنة طويلة الأمد في قطاع غزة نسبياً، فإن حزب الله سيوقف عملياته العسكرية في الجنوب. وبالتالي، سيكون هناك انتقال للتفاوض الجدي يؤسس للتهدئة والاستقرار، خصوصاً في ظل قرار إيراني واضح بمنع تدهور الأوضاع في المنطقة. وهو ما تجلى في إعلان كتائب حزب الله في العراق عن وقف العمليات العسكرية ضد الأميركيين. وهو يأتي في سياق تنسيق مع الإيرانيين، ويتسق مع معلومات تسربت أيضاً عن أن الحرس الثوري الإيراني عمم على حلفائه بإجراءات مماثلة تجنباً لتدهور الأوضاع، إنطلاقاً من الرهان على المباحثات الإيرانية الأميركية.
الصراعات الإسرائيلية
عملياً، كل الرسائل الدولية تصب في خانة واحدة، وهي الرهان على التفاوض لا على الحرب، فيما هناك من يعتبر أن نتنياهو يريد أن يلعب حتى النهاية، ولو قاد ذلك إلى الانتحار العسكري أو السياسي، من خلال البحث عن مبررات التصعيد. وأنه سيواصل عمليات استدراج الأميركيين وغيرهم من خلال ممارسات استفزازية، عسكرياً وأمنياً، كما هو الحال في غزة كذلك في لبنان، خصوصاً في ظل الصراعات الإسرائيلية الداخلية، بين من يريد الحرب داخل الحكومة، أو على مستوى سكان المستوطنات الذين يضغطون في سبيل ذلك.. وبين من يراهن على الحلول الديبلوماسية.
في المقابل هناك من يرى أن آلية التعاطي الأميركية مع الضربات الإيرانية والإصرار الأميركي على رفض التصعيد أو توسيع الحرب، هو ردّ واضح على نتنياهو بأن أميركا لن تستدرج إلى جانبه في أي حرب.
تلازم المسارات
بناء على هذه المعطيات، وفي ظل تعدد المواقف الدولية، لن يكون من السهل الفصل بين الملفات، طالما أطراف الخماسية أعادوا الكرة إلى ملعب اللبنانيين. فيما هناك من يمتلك من الدول نظرة واقعية تشير إلى ضرورة التلازم بين مسار التسوية السياسية من جهة ومسار التسوية الحدودية من جهة أخرى. فهذه لا يمكن أن تكون منفصلة عن بعضها نظراً للضمانات التي تطالب بها كل الأطراف. وهو أكثر ما يعلمه الأميركيون، بخلاف الفرنسيين الذين يقترحون مسألة الفصل بين الملفات، لأنهم يعتبرون أن أي دمج فيما بينها سيؤدي إلى استبعاد دورهم لصالح التقدم الأميركي في الجنوب وفي باقي الاستحقاقات.