لا يعني غياب ردود الفعل السياسية على البيان الصادر عن مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي بأنه يخلو من الملاحظات، تحديداً من قبل المرجعيات السياسية والدينية في الطائفة السنية، انطلاقاً من أنه «لم يكن مضطراً للتعميم بتغييبه تحميل المسؤولية للذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية، بدلاً من تركيزه على الجهة، والمقصود بها محور الممانعة بقوته الضاربة المتمثلة بحزب الله وتبرئة ساحته من مسؤوليته حيال تعذر انتخابه».
فالمرجعيات السنية، وإن كانت تنأى بنفسها، كما تقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط»، عن الدخول في سجال مع مجلس المطارنة الموارنة، وتفضّل إيصال عتبها إلى بكركي بلا ضجة إعلامية نظراً للوضع المأزوم الذي يمر به لبنان، فإنها تأخذ عليهم شموليتهم للشركاء في الوطن، من دون التفريق بين من يعطّل انتخاب الرئيس ومن يسهّله، خصوصاً أن بيانهم تزامن مع رسالة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى اللبنانيين، لمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، والتي قال فيها كلاماً من العيار الثقيل بقوله إن «رئيس الجمهورية هو مفتاح الحل لجميع قضايانا».
وتأخذ المرجعيات نفسها، وفق مصادرها، على المطارنة الموارنة قولهم إن التفاوض حول ترسيم الحدود يبقى من اختصاص رئيس الجمهورية، وتقول إن التفاوض ليس مطروحاً، وإن المطلوب وضع آلية بضمانات من الأمم المتحدة لتطبيق القرار الدولي 1701 الذي تلتزم به الحكومة اللبنانية في مقابل استمرار خرقه من جانب إسرائيل واضطرار «حزب الله» للرد على اعتداءاتها.
وتؤكد: «لو افترضنا أن ما ورد في البيان حول التفاوض في محله، وأن الرئيس يتولى التفاوض بالاتفاق مع رئيس الحكومة، فهل يُعقل بألا يكون الرئيس المسلم مؤتمناً على البلد في ظل الشغور الرئاسي المديد؟».
كما تسأل إذا كان ما أورده البيان في محله، فهل يمكننا تأجيل البحث بتطبيق القرار 1701 في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان مع تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل؟ وما المانع من مطالبة الحكومة بتنفيذه لتجنيب البلد الانزلاق نحو توسعة الحرب التي تخطط لها إسرائيل وتحمّل الموفدين الأوروبيين إلى بيروت رسائل تتجاوز التحذيرات إلى التهديدات؟
وتضيف: «ما المانع من دعوة القيادات المسيحية للقاء جامع في بكركي لإعداد مذكرة سياسية تقول فيها بلا مواربة، ما تريده وما لا تريده».
وتلفت المرجعيات إياها، كما تقول مصادرها، إلى أن حالة التململ ليست محصورة بالمسيحيين، وإنما تنسحب على الطائفة السنية التي تشكو من الإخلال بالتوازن السياسي الناجم عن عزوف القيادات السنية عن خوض الانتخابات النيابية، ما أدى إلى افتقاد السنّة لمرجعية نافذة في البرلمان تتزعم كتلة وازنة أسوة بالطوائف الأخرى، وهذا ما فتح الباب أمام تسعير الخلاف بين السنّة و«حزب الله» ولو بقي صامتاً، مع أنه ظهر في مراحل سابقة إلى العلن عندما قرر الحزب إطلاق الضوء الأخضر لرئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون ووريثه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لــ«التنكيل»، بالمفهوم السياسي للكلمة، بالحريري الذي اتخذ قراره بتعليق العمل السياسي.
وتؤكد أنها على تباين مع «حزب الله» من موقع تنظيم الاختلاف لخفض منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي، وتقول، بحسب مصادرها، إن هناك نقاطاً مشتركة تتلاقى فيها مع القيادات المسيحية في المعارضة في انتقادهم لدور الحزب الذي يحول حتى الساعة دون إعادة الاعتبار لمشروع الدولة، وصولاً إلى تفرُّده في اتخاذ قرار الحرب والسلم.
وفي هذا السياق، يقول مصدر مسيحي فاعل في المعارضة، إن ما ورد في بيان المطارنة الموارنة يبقى محصوراً بتصاعد الخلاف المسيحي مع حزب الله، وكان من الأفضل أن يبادر هؤلاء إلى وضع النقاط على الحروف لقطع الطريق على سوء فهمه من قبل البعض، خصوصاً أن القيادات السنيّة تعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، وأن النواب السنّة في البرلمان شاركوا في جميع جلسات الانتخاب ولم يبادروا إلى تعطيل النصاب في دورات الانتخاب الثانية، رغم «أننا نفتقد المرجعية السنية في البرلمان القادرة على تأمين التوازن السياسي»، بخلاف ما هو حاصل اليوم.
ويؤكد المصدر المعارض، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن حالة التململ بداخل الشارع المسيحي ناجمة عن وجود شعور عارم بأن الحزب يقود مخططاً مبرمجاً لوضع يده على الدولة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه قرر أن يدير ظهره للحكومة عندما اتخذ قراره منفرداً للدخول في مواجهة مع إسرائيل في مساندته لحركة «حماس» في غزة.
ويلفت المصدر نفسه إلى أنه يدعم توجّه المطارنة الموارنة نحو المجتمع الدولي، محملاً إياه مسؤولية التفريط بالكيان اللبناني وجرّنا للدخول في مقايضة مع الحزب بحصر رئاسة الجمهورية بمرشحه في مقابل تطبيقه بشروطه للقرار 1701، ويؤكد أن لا جدوى من الحوارات الموسمية التي تجري من حين لآخر بين الحزب ومسؤول الإعلام في بكركي وليد غياض، برعاية النائب فريد هيكل الخازن، ما دام أن الحزب يتشدد في مواقفه ولا يلتفت إلى شركائه في الوطن، آخذاً في الحسبان ما لديهم من مخاوف.