إتخذت التطورات الميدانية في جنوب لبنان منحىً تصعيدياً لا سابق له منذ بدء المواجهات في 8 تشرين الأول الماضي. وبدا من حصيلة الخسائر البشرية والمادية على جانبي الحدود أنّ «خيار الحرب» يتقدّم على ما عداه، كما ذكرت مصادر مطلعة لـ»نداء الوطن». وهذا الخطر المحدق بلبنان يتزامن مع تهديدات أطلقتها إسرائيل ضده، وحدّدت من بين أهدافها بيروت والجيش اللبناني، على حد سواء.
وفي هذا الإطار، أعلن «حزب الله» مساء أمس أنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل رداً على غارات استهدفت الأربعاء مناطق عدة في جنوب لبنان، وأوقعت 15 قتيلاً على الأقل بينهم عشرة مدنيين. وكانت مسيّرة إسرائيلية، إستهدفت ليل الأربعاء بصاروخ موجّه مبنى من ثلاث طبقات في مدينة النبطية، ما تسبب بمقتل سبعة مدنيين من العائلة ذاتها، إضافة إلى ثلاثة عناصر من «حزب الله»، كانوا في الطبقة السفلية من المبنى، وفق ما أفاد مصدر أمني لوكالة «فرانس برس».
ومن بين قتلى «الحزب» علي الدبس وهو مسؤول عسكري كان قد أصيب في الثامن من الشهر الحالي بجروح خطرة، جراء ضربة إسرائيلية نفّذتها طائرة مسيّرة على سيارته في شارع رئيسي في النبطية، وفق المصدر ذاته. ووصف الجيش الإسرائيلي الدبس بقيادي في «قوة الرضوان»، وأنه قتل مع نائبه، إضافة الى مقاتل ثالث. ونعى «حزب الله» القتلى الثلاثة.
وأتت هذه التطورات بعد إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل جندية في مدينة صفد جراء صاروخ أطلق من الجانب اللبناني، لم تعلن أي جهة المسؤولية عنه. وأفادت خدمة إسعاف إسرائيلية عن إصابة سبعة أشخاص بجروح.
ويتحدث الأمين العام لـ»الحزب» حسن نصرالله بعد ظهر اليوم في ذكرى «الشهداء القادة». وعن هذه الكلمة قالت قناة «المنار» التلفزيونية التابعة لـ»الحزب» في مقدمة نشرتها الاخبارية مساءً: «معَ دقةِ الوقتِ أوضحَ الكلامِ ما سيكونُ معَ الأمين العام، حيثُ سيكونُ تقييمُ المعادلات، فلكلِّ شهيدٍ مقاومٍ أو مدنيٍّ على الأرضِ المباركةِ حسبةٌ معَ العدو، والكلفةُ تَزيد».
وإزاء هذا التصعيد الميداني، بدت الوساطات الغربية وآخرها الرسمية مجهولة المصير في ظل رياح الحرب التي بدأت نذرها تتصاعد. وهدّدت الضربات الأخيرة بعرقلة الجهود الديبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة وغيرها لنزع فتيل التوترات عبر الحدود. وقال ديبلوماسي غربي الثلاثاء الماضي إنّ فرنسا قدّمت اقتراحاً لإسرائيل والحكومة اللبنانية و»حزب الله». ويفصّل الاقتراح الفرنسي عملية خفض التصعيد التي تستمر 10 أيام ويدعو «حزب الله» إلى سحب مقاتليه إلى مسافة حوالى 6 أميال (قرابة 10 كليومترات) من الحدود، وفقاً للديبلوماسي الذي يشارك في المحادثات لمناقشة المداولات الحساسة. لكن جواب الحكومة اللبنانية بدا ملتبساً عندما سجّل ملاحظات شكلية على الورقة الفرنسية التي وصلت الى بيروت من دون أن تحمل أي توقيع.
كيف كان الموقف الإسرائيلي من التطورات الميدانية الأخيرة؟ يقول وزير الدفاع يوآف غالانت إنّ الجيش كثّف هجماته ضد «حزب الله» بـ»مستوى واحد من أصل 10»، محذراً من أنّ «الجيش الإسرائيلي يمتلك قوة إضافية كبيرة جداً»، وأنّ «طائرات سلاح الجو التي تحلق حالياً في سماء لبنان لديها قنابل أثقل لأهداف أبعد».
وخلال تدريب محاكاة الحرب الذي أجرته «لجنة الاستعداد للطوارئ في إسرائيل»، قال غالانت: «يمكننا الهجوم ليس فقط على بعد 20 كيلومتراً [من الحدود]، ولكن أيضاً على بعد 50 كيلومتراً، وفي بيروت، وفي أي مكان آخر» .
وفي وقت سابق، لفت غالانت الى أنه أطلع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن على الوضع على الحدود الشمالية، وقال: «لن تتسامح دولة إسرائيل مع الهجمات على مواطنيها. سنضمن الأمن والعودة الآمنة لمجتمعاتنا إلى الشمال، ونحن مستعدون للقيام بذلك عبر الوسائل الديبلوماسية أو العسكرية».
وفي سياق متصل، تعهد الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس بردٍّ «قوي» على إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، وقال: «الرد سيأتي قريباً وسيكون قوياً». وحمّل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن «السماح بإطلاق الصواريخ من أراضيها». وأضاف أن إسرائيل يمكن أن تستهدف الجيش اللبناني، بالإضافة إلى «حزب الله».
على صعيد متصل، دخلت الحرب في الجنوب شهرها الخامس، بارتفاع ملحوظ في وتيرتها مخلّفة إلى الآن مساحات شاسعة من الدمار والأضرار في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية، فضلاً عن إحصاءات رسمية أنّ عدد الوحدات السكنية التي دمّرت كلياً تخطى الـ270 وحدة، فيما بلغت الوحدات المدمرة جزئياً حوالى 1500 وحدة سكنية. وتقدّر الإحصاءات كلفة إعادة الإعمار إلى الآن بعشرات ملايين الدولارات.