لم تجد النبرة العالية للمسؤولين الاسرائيليين نفعا في «ردع» حزب الله عن الرد على المجازر الاسرائيلية بحق المدنيين، ولم تلق التحذيرات الدبلوماسية الغربية المستجدة للبنان «آذانا صاغية» لدى المقاومة غير المعنية بمسايرة احد على حساب السيادة الوطنية وامن اللبنانيين. فعلى وقع المخاوف من اقدام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو على «الهروب الى الامام» بتوسيهع رقة الحريق الى لبنان، تزامنا مع الهجوم على مدينة رفح،على خلفية رفضه لخطة اميركية- عربية تنطلق من فرضية وضع جدول زمني لاقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع ما تبقى من عرب مع اسرائيل، كجزء من وقف النار في غزة، دخل «الوسطاء» الغربيون مجددا على خط منع التصعيد جنوبا، دون ان يقدموا جديدا بشان الضمانات المطلوبة لبنانيا والتي ترفض اسرائيل حتى الان الالتزام بها.
فقد دخلت المواجهة على الحدود الجنوبية مرحلة جديدة وباتت الحرب المنخفضة الوتيرة اكثر سخونة لكنها لم تصل بعد الى حد الانفجار. فمع تعثر عملية التفاوض حول وقف العدوان على غزة، وارتفاع نسق الاعتداءات الاسرائيلية في العمق اللبناني، ارتقى منسوب العمل العسكري الردعي بقصف «دقيق» غير مسبوق على قواعد عسكرية في مدينة صفد، لا تزال غامضة لاسباب قد يكشف عنها اليوم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.!؟ اسرائيل المذهولة والمرتبكة بعد انهيار منظومتها الامنية الاستراتيجية بعد وصول تلك الصواريخ الـ11 الى اهدافها، فتحت تحقيقا عسكريا، ووجهت القوات البرية انتقادات لاذعة لسلاح الجو لفشله في اعتراضها. وكعادتها ارتكبت مجزرة مروعة بحق المدنيين في كل من الصوانة والنبطية، فسقط 11 شهيدا وعدد من الجرحى، ولم تمض ساعات من «حبس الانفاس» داخل كيان العدو ترقبا لرد المقاومة، حتى امطر حزب الله مستوطنة «كريات شمونة» بعشرات الصواريخ ما ادى الى انقطاع الكهرباء عن اجزاء واسعة من المدينة التي ساد فيها الهلع واندلعت النيران في عدد من المباني، وهو ما وصفه الاعلام الاسرائيلي بالقول ان المدينة عادت الى «العصر الحجري» بعد هذه القصف.. واعلنت المقاومة ان الهجوم رد اولي على مجزرتي الصوانة والنبطية ما يعني ان الحساب لا يزال مفتوحا على كافة الاحتمالات التي سيشرح معادلاتها الجديدة السيد نصرالله اليوم.
وفيما اكدت وسائل الاعلام الاسرائيلية بان الوضع راهنا لا يزال هو تجنب توسيع المواجهة؛ أي أن معادلة الردع المتبادل هي التي سترسم حدود المواجهة ونطاقها، ابلغ وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت، نظيره الأميركي، لويد أوستن، بأن لا تهاون في الرد على ما اسماه هجمات حزب الله. وقال مهددا «طائراتنا في سماء بيروت تحمل قنابل ثقيلة وقادرة على ضرب أهداف بعيدة، معتبرًا ان التصعيد الراهن ضد حزب الله ليس سوى عُشر ما نستطيع القيام به، وأضاف: يمكننا الهجوم حتى عمق 50 كلم في بيروت وأي مكان أخر.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد وصفت ضرب صفد بانه استثنائي، وكشفت أن حزب الله استخدم صواريخ دقيقة في صلية الصواريخ في اتجاه صفد، لافتة إلى سقوط صاروخين داخل قيادة المنطقة الشمالية ما ادى الى تدمير مبنيين، علماً أن القبة الحديدية لم تنجح في اعتراض الصواريخ. وقد علّق رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، على إطلاق الصواريخ، قائلاً «الخط الأحمر تحوّل إلى علم أبيض و»كابينت» الحرب استسلم لحزب الله وفقد الشمال.
ويعد استهداف حزب الله لقاعدة عسكرية في مدينة صفد على بعد ١٥ كيلومترا من الحدود، ابرز تطور شهدته المعارك منذ أربعة اشهر، ويمثل بالنسبة لإسرائيل تحديا كبيرا، ووفقا لمصادر مقربة من حزب الله، جاءت ردا على خرق إسرائيل قواعد الاشتباك وشن هجمات في عمق الأراضي اللبنانية شمال الليطاني وتحديدا الغارات في مدينة النبطية وبلدة جدرا القريبة من صيدا جنوب بيروت، ولهذا فالاتي سيكون اعظم ردا على كل الصلف الاسرائيلي والحرب اللااخلاقية ضد المدنيين التي لن تمر دون حساب عسير»والعين وبالعين».
وكشفت القناة الـ»12″ الإسرائيلية أنّ سلاح الجو الإسرائيلي يحقّق في أسباب فشل منظومة الدفاع الجوي التابعة له في اعتراض الصواريخ التي أصابت مركز الشرطة في مستوطنة «كريات شمونة» والقاعدة العسكرية في صفد. ورأت القناة الإسرائيلية أن ما وصفته بالضربة القاتلة التي وقعت في صفد، مُشيرة إلى أنّ المنطقة المستهدفة في صفد تحظى بحماية واسعة، وتوجد فيها عدة منشآت استراتيجية. وتساءلت القناة الـ»12″ عن تفسير الإصابة المباشرة، والتي تحقّقت على الرغم من وجود منظومة دفاعٍ جوي متعدّدة الطبقات، تجمع بين بطاريات «القبة الحديدية»، ومنظومة «مقلاع داوود»، وبطاريات حِيتس» والطائرات الاعتراضية ذات القدرة على التعامل مع تهديدات متنوّعة، مثل الطائرات وصواريخ «كروز» وغيرها..وخلصت القناة إلى القول بان الحدث في الشمال هو الأخطر منذ اندلاع الحرب عند الحدود مع لبنان، مشيرة إلى أن لا أماكن محصّنة لـ50% من سكان المستوطنات.
من جهتها، وصفت صحيفة «هارتس» الوضع في الشمال بانه «لا يطاق» وقالت ان الكثير من سكان الشمال يشعرون أن المنطقة التي يعيشون فيها والتي تم إخلاؤها أصبحت منطقة أمنية بين لبنان وإسرائيل، وهم في عدم يقين حول مستقبلهم. وقالت ان تكلفة إخلاء السكان في الشمال والجنوب حتى نهاية الشهر الحالي 5.6 مليار شيكل، منها 2.3 مليار لإخلاء منطقة الشمال. وقالت ان «حجم الدمار في الشمال آخذ في الاتساع. وقالت انه قبل أسبوعين نشرت وزارة الدفاع بأن 427 منزلاً في الشمال تضررت بسبب إطلاق حزب الله، من بينها 80 منزلاً تعرض للضرب المباشر. هناك عدد من البلدات يتم قصفها بشكل كثيف، وتتكبد دماراً كبيراً، منها «شتولا» و»زرعيت» و»مرغليوت» والمنارة و»كريات شمونة» و»المطلة».
ووصفت الصحيفة مستوطنات الشمال بانها مشلولة لأن جميع الخدمات العامة كانت في «كريات شمونة»، وبات الدخول إلى المدينة خطيرا، وهي مغلقة في معظمها، والخدمات الصحية والبنكية والحكومية فيها والبريد وما شابه لا تعمل، والمحلات التي تفتح في ساعات محدودة تخلو من المواد الأساسية، ويصعب الحصول على الخبز والفواكه والخضار ومنتجات الحليب وحتى المنتجات المجففة. الموردون والموزعون والتقنيون لا يصلون. لا توجد أطر تعليمية واجتماعية منظمة. الشوارع والطرق مغلقة. البوابات مغلقة. مكعبات إسمنتية في كل مكان. عروض صوت وضوء – مدفعية، قنابل مضيئة، مروحيات، طوال سبعة أيام في الأسبوع، وتحذير من اقتحام بري وجوي كل يوم.
من جهته، تحدّث اللواء في احتياط الاحتلال الإسرائيلي، غيرشون هاكوهن، في مقال لصحيفة «إسرائيل هيوم»، عن «السلوك الاستراتيجي» للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الحرب الحالية. وقال هاكوهن إنّ السيد نصر الله «يسعى للوفاء بواجبه في مساعدة حماس، لكنّه في الوقت ذاته «ينتهز الفرصة لصياغة مستوى جديد في هوية حزب الله كقوة إقليمية. وأضاف أنّ الهجوم الصاروخي، على صفد، هو «ارتقاء درجة في التصعيد»، في إطار القيود التي يواصل نصر الله الحفاظ عليها، في إدارته للحرب على شفا حرب شاملة. وفي هذا السياق، أشار هاكوهن إلى «وجوب تحليل الطريقة الخاصة التي تجعل من نصر الله تهديداً خطيراً جداً لوجود إسرائيل، ليس فقط بسبب قوته العسكرية، مع حجم القذائف الصاروخية والصواريخ بعيدة المدى، التي يمتلكها حزبه والذي يُعدّ قوى عظمى، بل هو خطير بسبب حنكة سلوكه الاستراتيجي بشكل رئيسي. ونجح نصر الله في الاستفادة الكاملة من الوضع الجديد، بعد حرب 7 تشرين الأول الماضي، لدفع خطوة أخرى لترسيخ هويته، كقوة ذي نفوذ إقليمي.
وأوضح هاكوهن أنّ الأمين العام لحزب الله نجح بهذه الاستراتيجية، في تحويل المنطقة الشمالية إلى ساحة معركة نشطة، ومستوطنات خط المواجهة إلى مهجورة، بعد اقتلاع نحو 70 ألف مستوطن من منازلهم. وباستخدام المفتاح في يديه، «لإعادة الهدوء إلى الساحة الشمالية»، وضع نصر الله لوسطاء الجهود السياسية الأميركية والفرنسية «مطالبات إقليمية غير مسبوقة من إسرائيل». ولفت الى ان نصرالله أوقع إسرائيل في مأزق صعب»، ذلك لأنّ «إعادة السكان إلى المستوطنات لن تكون مهمة سهلة، حتى بعد اتفاق سياسي أو عملية عسكرية، لأنّ ذلك لن يكون قادراً على ضمان أمن المنطقة بشكل مطلق، فيما ستستمرّ قدرات حزب الله على المهاجمة بالنيران لكلّ منطقة الشمال وأيضاً وسط إسرائيل.
وبعد تعثر التفاوض حول هدنة غزة ومغادرة الوفد الاسرائيلي، وصل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» ويليام بيرنز، إلى إسرائيل، امس، في زيارة لم يعلن عنها مسبقا، والتقى خلال زيارته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس «الموساد» الإسرائيلي دافيد برنياع،ووفقا لمصادر اعلامية هدد بيرنز نتانياهو بمبادرات آحادية الجانب من قبل واشنطن اذا لم يتوصل الى اتفاق حول غزة قبل رمضان.! وتاتي هذه الزيارة بعد ساعات على اعلان صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية أن الولايات المتحدة والعديد من الشركاء العرب يعدون خطة مفصلة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل بين إسرائيل وفلسطين يتضمن «جدولا زمنيا ثابتا لإقامة دولة فلسطين» وقال التقرير نقلا عن مسؤولين أميركيين وعرب إن مفتاح الخطة وإعلانها سيكون التوصل إلى وقف إطلاق نار مبدئي بين إسرائيل و»حماس». وقد رد مكتب نتنياهو بالقول ان الوقت ليس مناسبا للحديث عن «هدايا».
ووفقا لمصادر دبلوماسية، فان هذا الموقف يعكس رفض حكومة اليمين لاي حل سياسي لانها لن توافق على تفكيك الكثير من المجتمعات الاستيطانية، إن لم يكن كلها، في الضفة الغربية، ولن توافق على منح الفلسطينيين عاصمة في القدس الشرقية، وإعادة إعمار غزة وترتيبات الأمن والحكم للضفة الغربية والقطاع معا. وفي هذا السياق، لفتت تلك الاوساط الى ان «رسائل» دبلوماسية وصلت مجددا الى بيروت تحذر من «جنون» هذه الحكومة التي قد تذهب بحرب واسعة للهروب من الاستحقاقات السياسية.