مؤشرات التصعيد تتزايد على امتداد الجبهة الجنوبية، ربطاً بكثافة العمليات العسكرية، وتوسّع نطاق الإستهدافات على جانبي الحدود، يُضاف الى ذلك ارتفاع وتيرة التهديدات التي يطلقها المستويان السياسي والأمني في اسرائيل، بعدوان على لبنان.
فالوضع في المنطقة الحدودية تجاوز حدّ الخطر، حيث بات متأرجحاً بين سيناريوهات مجهولة واحتمالات نارية لا مدى لها، تشي بذلك التطورات التي تتلاحق بوتيرة متسارعة وعنيفة على امتداد تلك المنطقة، وتبدو شراراتها وكأنّها باتت قاب قوسين او أدنى من إشعال فتيل الانفجار الكبير والانزلاق الى حرب واسعة.
في موازاة ذلك، تقدّم لبنان بشكوى ضدّ اسرائيل الى مجلس الأمن الدولي، على خلفية اعتداءاتها المكثفة على أهداف مدنية في لبنان، تُعتبر الأعنف والأكثر دموية منذ 8 تشرين الأول الماضي، حيث ادّت الى سقوط عدد كبير من الشهداء. وطالبت الشكوى بضرورة إدانة إسرائيل للحؤول دون تدهور الوضع وتوسيع الحرب، ولاستهدافها المباشر والمتعمّد والمتكرّر للمدنيين، ودعت الى الضغط على إسرائيل لوقف التصعيد، وإلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه وشعبه، وذلك للحؤول دون تفاقم الصراع وإقحام المنطقة بأسرها في حرب شاملة ومدمّرة سيصعب احتواؤها.
وتزامناً مع التدهور جنوباً، اكّد مرجع سياسي لـ«الجمهورية» أنّ «لبنان لا يسعى الى الحرب، بل لا يريدها، الّا انّ اسرائيل، ومن خلال تكثيف اعتداءاتها على لبنان واستهدافها المدنيين في القرى والبلدات الجنوبية، اضافة الى توسيع نطاق اعتداءاتها، تسعى جاهدة لأن تجرّ لبنان الى حرب».
ولفت المرجع الى «انّ اسرائيل تريد توسيع الحرب من غزة الى لبنان، ونحن ندرك أن لا مصلحة للبنان بالسقوط في الفخ الاسرائيلي والانزلاق الى حرب، ولن نحقق لاسرائيل ما تريده»، وقال: «حتى الآن الامور ما زالت تحت السيطرة، ومقاومة «حزب الله» لم تخرج بعد عن قواعد الاشتباك. في الخلاصة لبنان لا يريد الحرب ولن يبادر الى الحرب، ولكن إن فُرضت هذه الحرب وحاول العدو ان يشنّ عدواناً على لبنان فسنكون جميعنا في خط المقاومة والدفاع عن بلدنا».
تتوالى التحذيرات الدوليّة من إشعال حرب على جبهة لبنان، وعلى ما تؤكّد مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية»، انّ «باريس تشعر بقلق بالغ إزاء مستوى التوتر المتزايد على حدود لبنان الجنوبية، ووجّهت رسائل مباشرة عبر قنواتها الديبلوماسية إلى الجانبين اللبناني والإسرائيلي لخفض التصعيد وتجنّب حرب لن تكون في مصلحة أي طرف».
وتقرّ المصادر عينها بصعوبة الوضع وتصفه بـ«الحرج جدا»، وأعربت عن تخوّفها من «أنّ تدرّج العمليّات القتالية الى المستوى العنيف الذي ارتقت اليه في الآونة الأخيرة، يناقض ما يعلنه الجانبان اللبناني والاسرائيلي بأنّهما لا يسعيان الى التصعيد».
وقالت: «ما يجري يراكم مخاطر على الجميع، ما ينذر في لحظة ما بأن تخرج الأمور عن السيطرة وينزلق لبنان واسرائيل والمنطقة ايضاً، الى حرب واسعة. ومن هنا فإنّ باريس تشدّد على وجوب ان تمنح كل الاطراف، الجهود القائمة، فرصةً لإنضاج حلول وتفاهمات سياسية تُخرج جبهة الجنوب اللبناني من دائرة التوتر، وتثبت حالاً من الأمن والاستقرار على الجانبين، وباريس ماضية في مسعاها في هذا الاتجاه، وزيارات مسؤوليها ستتكرّر في القريب العاجل الى كل من بيروت وتل ابيب».
هذه المخاوف التي يعبّر عنها الفرنسيّون، يعبّر عنها ايضاً تقرير اممي حول التطورات الحربية في غزة ولبنان، حيث يشير الى الواقع المأساوي في قطاع غزة، ويحذّر بشدّة من مأساة انسانية قد تنتج من اجتياح اسرائيلي لرفح. اما في ما يتعلّق بلبنان، فيلحظ التقرير تزايداً خطيراً في الاعمال العسكرية سواءً من «حزب الله» او من قبل الجيش الاسرائيلي، واستهدافاً متعمّداً للمدنيّين، ويشير الى انّ احتمالات الحرب الواسعة باتت في المستوى الاعلى بعد عملية «حماس» في مستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الاول من العام الماضي.
ويخلص التقرير الى «انّه ما زال في الإمكان لجم التصعيد، والانتقال الى حال من الامن والاستقرار في منطقة الحدود الفاصلة بين لبنان واسرائيل، يؤمّن عودة السكان من الجانبين الى بيوتهم، فهذا هو السبيل الأوحد لإنهاء هذا الواقع، وتجنّب حرب ستكون صعبة على لبنان تبعاً لتهديدات قادة اسرائيل بإلحاق دمار كبير فيه، ولكنها في الوقت نفسه ستكون صعبة على اسرائيل، وسط تهديدات «حزب الله» وأعداء اسرائيل بأنّها ستشهد دماراً هائلاً هو الأول في تاريخها».
هذه المخاوف ايضاً، تبديها قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل)، حيث كشفت مصادر امنية لبنانية لـ«الجمهورية» عن اتصالات مكثفة تجريها «اليونيفيل» مع الاطراف المعنية، تؤكّد فيها وجوب التزام كل الاطراف بمندرجات القرار 1701، والسعي الحثيث لترسيخ الامن والاستقرار في المنطقة، والسلام للسكان المدنيين، وتبدي القلق البالغ من احتمال تطوّر الأمور الى مستويات خطيرة جداً. وتؤكّد أنّ الوضع في منطقة الحدود متجمعة فيه عناصر توتر وتصعيد انفجارها بات مرهوناً بخطأ في الحساب او في التقدير، من هذا الجانب او ذاك».
هذه التطورات، والمخاوف التي تظلّلها، تتزامن مع ما كشفته مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ«الجمهورية» من «تأكيدات أميركية بأنّ واشنطن لا ترغب بتوسّع دائرة الصراع الى جبهة لبنان، بل ما زالت تغلب خيار الحلّ السياسي وتجنّب الحرب، وثمّة مراسلات متجدّدة بهذا المعنى أُبلغت الى لبنان واسرائيل، مقرونة بتوجّه لدى الادارة الاميركية بإيفاد الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى لبنان واسرائيل، في سياق الدور الذي يقوم به لاحتواء التصعيد».
إلى ذلك، فإنّ التهديدات تتوالى من المستويات الاسرائيلية على اختلافها، فوزير الأمن القومي الاسرائيلي إيتمار بن غفير، دعا الى الهجوم على لبنان وقال: «إنّ ما يحدث في غزة يجب أن يحدث في لبنان أيضًا»، فيما اعلن الجيش الاسرائيلي انّه «تزامناً مع تدريبات جنود اللواءين 146 و210 في الشمال، بدأ لواء «غولاني» هذا الاسبوع رفع جاهزيته». في وقت قال وزير الخارجية الاسرائيلية يسرائيل كاتس انّ على العالم ان يضغط على ايران و»حزب الله» للانسحاب من جنوب لبنان، مشيراً الى انّه «اذا لم يتمّ ايجاد حل ديبلوماسي فسنضطر لإبعاد «حزب الله» عن حدودنا».
ونشرت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية، استطلاعاً للرأي اظهر انّ 71 في المئة من الاسرائيليين يعتقدون انّ على اسرائيل شنّ عملية عسكرية واسعة ضدّ لبنان». بالتوازي مع اعلان المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي دانيال هاغاري «أنّ «حزب الله» هو الذي استهدف المدنيين الإسرائيليين في تسفات (صفد) وكريات شمونة، ليردّ جيش الدفاع بقوة ضدّ مصالح «حزب الله». وقال: «ردًا على تلك الاعتداءات التي استهدفت المواطنين والبلدات المدنية قمنا بشن سلسلة غارات واسعة النطاق على مواقع عسكرية، وغرف عمليات وبنى تحتية تابعة لقوة الرضوان وقضينا على قادة كبار فيه».
واضاف: «حزب الله» يستهدف المدنيين ويستغل المدنيين اللبنانيين. ونحن جاهزون في المنطقة الشمالية من ناحية الدفاع والهجوم، وجاهزون لإحباط التهديدات الصادرة عن «حزب الله»، ونعمل بشكل عازم على تغيير الواقع الأمني من أجل إزالة التهديد لسكان المنطقة الشمالية».
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، أوعز بإعداد خطة دعائية للحرب ضدّ لبنان. وأشار تقرير للصحيفة إلى أنّ الجهات المدنية في إسرائيل تستعد لتطور من شأنه أن يغّير الواقع في المنطقة، متحدثاً عن حصول استعدادات داخل الجبهة الداخلية الإسرائيلية لسيناريو الحرب مع لبنان، بما في ذلك احتمال وجود صعوبات في توفير الكهرباء والطاقة ونقل المواد الأولية وإخلاء المرضى إلى المستشفيات.
واعتبر التقرير أنّ «الحرب ضدّ لبنان ستكون مختلفة تماماً عن تلك التي حصلت في غزة ضدّ حركة «حماس»، وأيضاً عن تلك التي حصلت عام 2006 ضدّ «حزب الله». وبحسب التقرير، فإنّ قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تُناقش ما إذا كانت ستُقيم حملةً من أجل تنسيق التوقعات مع الجمهور في ما يتعلق بعواقب الحرب ضدّ «حزب الله» على الجبهة الداخلية. وأضاف: «يدرك أصحاب القرار أنّ خطوة كهذه ستؤدي بالفعل إلى زيادة الوعي، لكنها ستثير أيضاً الذعر الذي سيصبّ في مصلحة أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله».
وتحدث التقرير عن أنّ القصف الذي طال مستعمرة كريات شمونة من لبنان، أدّى إلى إنقطاع التيار الكهربائي هناك، الأمر الذي قد يتكرّر خلال أي حرب شاملة قد تحصل، باعتبار أنّ «حزب الله» سيحاول إلحاق الضرر بمواقع الكهرباء والتسبّب في إنقطاعها لفترات طويلة.
الى ذلك، وبحسب الإعلام الاسرائيلي فإنّ انقطاع التيار الكهربائي في كريات شمونة بسبب اطلاق «حزب الله» الصاروخي، دليل على أهمية إعداد الأنظمة المدنية في حال حدوث المزيد من التصعيد». وكشف الإعلام من جهة ثانية، انّه «لدواعٍ عملياتية، يضطر الجيش «الإسرائيلي» للعمل داخل المحميات الطبيعية عند الحدود مع لبنان». وقد تقرّر اغلاق طرق عدة في الحدود الشمالية امام حركة السير في اعقاب تقدير الجيش الاسرائيلي للوضع».
وفي سياق تفاعلات الحرب الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية أيضاً، قال الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أوري ساجي: «إنّ إسرائيل غير قادرة على شن حرب متزامنة على جبهتين في غزة ولبنان».