يبدو أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الاتصالات جوني القرم، مصرّان على منح «ستارلينك» ترخيصاً سريعاً بلا مناقصة، للعمل في لبنان وتوزيع خدمة الإنترنت عبر أقمارها الاصطناعية لمن يرغب من المقيمين في لبنان. تأتي هذه التحضيرات على وقع ضغوطات تروّج لها مجموعة من السفارات، على رأسها السفيرة الأميركية في بيروت، ومفادها أنه في حالة الحرب قد تنقطع خطوط الإنترنت عن لبنان وتصبح السفارات معزولة، لكنّ الواقع أن هذه الشركة ستنافس شركتَي الخلوي وأوجيرو وقد تطيح بهما، وبكل الإيرادات التي تحصّلانها لحساب الخزينة.حتى الآن، لم يجرِ أي نقاش جدّي بشأن السماح لشركة «ستارلينك» المملوكة من رجل الأعمال الكندي – الأميركي إيلون ماسك، العمل في لبنان.
ما نوقش سابقاً، يكاد ينحصر بالذرائع الأمنية، إذ إن تقديم خدمة الإنترنت للزبائن عبر الأقمار الاصطناعية مباشرة، يلغي الرقابة المحليّة بشكل كلّي، بل قد يكون مصدراً لخروقات أمنية لا يمكن تتبّعها. والسبب أن النقاش السائد أجري تحت ضغوطات مارستها السفيرة الأميركية في بيروت على وزير الاتصالات جوني القرم. لكن لا القرم ولا الحكومة التفتا إلى انعكاسات منح «ستارلينك» ترخيصاً كهذا، على قطاع الاتصالات في لبنان من الزاوية التجارية. لكن هذه الضغوط لم تنحصر بالسفيرة الأميركية، بل شملت أيضاً بحسب المعلومات المتداولة، مجموعة من سفراء الدول الكبرى الذين طلبوا من ميقاتي أيضاً الموافقة على تشغيل أجهزة اتصال خاصة بسفاراتهم من «ستارلينك». ويتذرّع السفراء بمعاهدة فيينا التي تتيح لهم تركيب أجهزة اتصال خاصة بهم داخل منشآت سفاراتهم. لكنّ «ستارلينك» وسّعت الضغط واشترطت للعمل في لبنان، استصدار قرار حكومي يجيز لها تقديم وتوزيع خدمة الإنترنت على الراغبين بذلك. وأكثر من ذلك، أطفأت الشركة، تجاوباً مع طلب الحكومة اللبنانية، كل الأجهزة التي كانت تعمل في لبنان بشكل غير شرعي. وبذلك، اقتصر تواجد الشركة في لبنان على 5 أجهزة متصلة بالإنترنت عبر أقمارها الاصطناعية؛ 2 منها لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، و3 لدى الأجهزة الأمنية (الجيش، فرع المعلومات في القوى الأمنية والأمن العام).
إزاء الطلبات الأميركية وسواها، يدرس القرم إعادة عرض الملف على مجلس الوزراء، وفق مصادر مطّلعة. وهو على تنسيق مباشر مع ميقاتي الذي هو أيضاً يبدي إصراراً في منح الشركة ترخيصاً لتقديم خدمات الإنترنت في لبنان عبر الأقمار الاصطناعية، وهو على علم واضح صريح بأن الأمر مطلوب من السفارة الأميركية في بيروت. الرجلان يرغبان في تلبية الطلب الأميركي، لكنهما لم يتمكّنا من تسويقه محلياً بعد، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالمحاذير الأمنية التي يرتّبها قرار كهذا، بل هو متصل مباشرة بانعكاسات هائلة على قطاع الاتصالات في لبنان. فبمجرّد السماح للشركة أن تقدّم خدمة الإنترنت بواسطة الأقمار الاصطناعية في لبنان، ستصبح كأنها حصلت على حقوق استعمال التردّدات والبث والتشغيل والبيع التي مُنحت لشركتَي الخلوي. وستصبح هذه الشركة أكبر منافس لهما، ولأوجيرو أيضاً. سبب المنافسة يعود إلى كونها تقدّم خدمة غير تقليدية، بل خدمة سريعة أيضاً عبر ربط جهاز المشترك بالأقمار الاصطناعية. وبالتالي لن يستخدم هذا المشترك أي بنية تحتية في لبنان، ولن يستهلك الإنترنت التي تستقدمها أوجيرو نيابة عن وزارة الاتصالات وتوزّعها على سائر الشركات. ولن ينفق أي قرش على أي خدمة أو سلّة في لبنان. حتى إن «ستارلينك» تدرس إصدار جهاز هاتف خلوي خاص بها. بمعنى آخر، شركتا الخلوي في لبنان، وأوجيرو، ستصبح عرضة لمنافسة غير عادلة قد تجعلها طرفاً خاسراً في أيّ اتفاق تعقده الحكومة مع «ستارلينك». فإيرادات الاتصالات لم تعد تتمحور حول المكالمات الهاتفية، بل مصدرها الأكبر هو استهلاك «الداتا»، أي أن الاتصال الهاتفي يتأمّن بواسطة استهلاك الداتا عبر تطبيقات مختلفة مثل «واتساب» و«فايبر» وسواهما. وبالتالي صارت الإيرادات تعتمد على وجود شبكة إنترنت ثابتة وسريعة. تطوّر بيئة الأعمال والاستثمار، فضلاً عن الرقابة الأمنية، والتواصل داخل المجتمع، في أي بلد في العالم، كل ذلك بات يعتمد على استهلاك «الداتا»، وليس على المكالمات الهاتفية.
هذا الأمر يثير سؤالاً أساسياً: ما الذي ستجنيه الخزينة اللبنانية مقابل الترخيص لشركة «ستارلينك»؟ وفق المعلومات، فإن القرم يقول إن الشركة ستدفع أكثر من مليون دولار سنوياً، وما بين 25 دولاراً و30 دولاراً عن كل مشترك. وبدورها تدّعي «ستارلينك» أن خطّتها لن تتجاوز 15 ألف مشترك في لبنان. لكن قدرة ستارلينك على تقديم خدمة الإنترنت بسرعة هائلة وبنوعية ذات جودة أعلى من خلال اتصال الزبون مباشرة بأقمارها الاصطناعية، ستضع السيادة اللبنانية خارج هذا الإطار. والسيادة لا تعني الشقّ الأمني بل تعني حقوق استعمال تردّدات الاتصال في لبنان بشروط استنسابية يحدّدها القرم وميقاتي تحت الضغط الأميركي وضغوط سائر السفارات. القرم وميقاتي سيقدمان هذه الحقوق، التي تؤجّر بمبالغ هائلة في كل دول العالم، مجاناً، لشركة واحدة بلا أي مناقصة وبلا دفتر شروط، ولن تخضع الأسعار للدولة اللبنانية، ما يعني أن قدرتها التنافسية ستكون مرتفعة جداً وستكون لها أفضلية في أي منافسة. المنافسة قد تكون جيّدة وفق شروط موضوعية محدّدة في دفتر شروط يتنافس عليه عدد من اللاعبين. أما هذه الطريقة، بحجّة الحرب الآتية، فإنها لا تعني إلا موت «تاتش» و«ألفا» اللتين تملكان محفظة من 4 ملايين مشترك، وتصدّعات في «أوجيرو» التي تملك محفظة من 400 ألف مشترك ويفترض أن تملك رخصة ثالثة للاتصالات إذا قُدّر تحويلها إلى «ليبان تيليكوم» تطبيقاً للقانون 431.
ميقاتي والقرم مصرّان على إرضاء السفارة الأميركية ومنح الشركة ترخيصاً
يمكن المقارنة مع العديد من الدول التي تتواجد فيها ستارلينك مثل قبرص والإمارات وسائر دول الخليج. في تلك الدول يستعمل الأثرياء خدمة «ستارلينك» لأنهم يرغبون في قضاء أوقات على يخوتهم في عرض البحر حيث تنقطع الاتصالات. أو يرغبون في عبور الصحراء حيث لا شبكة أرضية تغطّي تواصلهم مع الآخرين. لكن في تلك الدول، ما زالت الخدمة المقدّمة هي عبر البنية التحتية للدولة. وبالتالي، لو أعيد الاستثمار في الشبكة المحلية التي تغطي أكثر من 90% من الأراضي اللبنانية، لتكون أسرع وأفضل جودة، لكانت المنافسة متوافرة مع وجود «رخصة ثالثة». فضلاً عن أي تواجد لهذه الشركة في لبنان يجب أن يخضع لشروط مرورها عبر الشبكة المحلية أو التصريح عن بيانات لبنان لوزارة الاتصالات. فالواقع، بحسب مصادر مطّلعة، أن الشبكة المترهّلة في لبنان، في ظل الضغط الكبير عليها، يجعل سرعة الإنترنت تنخفض إلى مستويات متدنية فضلاً عن انقطاعات في الاتصال وصعوبات في الإرسال والاستقبال. منذ أسابيع انعكست هذه الضغوط سلباً على الشبكة لمدّة خمسة أيام متتالية.
شروط «ستارلينك»
موقف «ستارلينك» من العمل في لبنان، يختلف عن المواقف السياسية. مقرّبون من الشركة، أفادوا بأنها أبدت رغبتها في بيع خدماتها في لبنان من خارج حصرية وزارة الاتصالات، وأنها ترفض دفع مبالغ خارج إطار التسعيرة التي حدّدتها للمشترك بقيمة 60 دولاراً شهرياً مقابل استهلاك مفتوح وسرعة هائلة، وهي ترفض تصريحات القرم التي يقول فيها إنّ الشركة ستدفع مليوناً ونصف مليون دولار سنوياً للوزارة، بل تسعى إلى بيع خدماتها بأسعار تنافسية مقارنة مع أسعار شركات الاتصالات المحلية بلا رسوم عالية.
23,950 مليار ليرة
هو حجم إيرادات الاتصالات السكلية وللاسلكية، التي تتضمّن الاتصالات الدولية أيضاً، في موازنة عام