في الاستحقاق الرئاسي كما مع ما يجري في الجنوب، ثمة وقائع رخوة واخرى صلبة في حسبان حزب الله: الاولى اقفال جبهة الحدود الشمالية لاسرائيل بارغامه على تطبيق القرار 1701 مجاناً وتسليمه بخسارته مرشحه. اما الثانية فالوصول الى تسوية حتمية يخرج منها منتصراً
مع ان كتلة الاعتدال الوطني تحاول كسر الجمود المحوط بانتخاب رئيس الجمهورية، الا ان اظهارها حسن نيتها لا يُقارَب بمثل بساطة مسعاها. لم ترد ان يكون حزب الله آخر مَن تجتمع به. الا ان تأخيره الموعد ـ وكانت طلبته في وقت سابق ـ يُفترض ان يكون اوحى لها بجواب اولي اقرب ما يكون حقيقياً ونهائياً. اذ يؤيد الحزب الحوار مذ اطلق الدعوة اليه الرئيس نبيه برّي ولا يزال يتمسك به، الا ان المُسرَّب عن جهود كتلة الاعتدال الوطني والآلية التي تفكر فيها حتى الوصول الى انتخاب الرئيس، تبدو في تفسير حزب الله غير منطقية وغير واقعية في ظل استمرار حرب غزة وانخراط جنوب لبنان فيها.سيحصل اجتماع الحزب بكتلة الاعتدال الوطني من اجل الاستماع اليها فقط، وطرح اسئلة مُقابِلة تتوخى التحقق مما تريد بلوغه من تحركها وخطواتها التالية حتى الوصول الى جلسة انتخاب الرئيس. المؤكد في موقف الحزب من كل ما يثار عن آلية التشاور الذي تتحدث عنها كتلة الاعتدال الوطني، ان من السذاجة الاعتقاد بقبوله الذهاب الى جلسات انتخاب رئيس ليس معروفاً مَن سيكون وكيف سيكون، وبلائحة اسماء مرشحين معروفين او مجهولين، وجلسات انتخاب متتالية؟ هو الموقف نفسه عند برّي: لن يدعو الى جلسة لا يعرف سلفاً الرئيس الذي سيصير الى انتخابه.
2
المأمول عند حزب الله ان تفضي جلسة الحوار او التشاور الى الاتفاق على مرشح ينبثق من التوافق الداخلي، ويطمئن الافرقاء جميعاً الى مواقعهم في العهد الجديد. يجزم ايضاً بأن لا جلسات متوالية لانتخاب الرئيس، بل واحدة يُتفق عليها قبلاً. في ما يُروى في الحزب انه يستقبل كل مَن يطلب من المرشحين المتداولين موعداً لزيارته. احد هؤلاء من بين المصنَّفين من طراز «المرشح الثالث» اجتمع بقيادات فيه وابلغ اليها ما سمعه بنفسه في الرياض من المستشار في الديوان الملكي المكلف ملف لبنان نزار العلولا ان «لا رئيس للبنان لا يُتفق عليه مع حزب الله».
ما يقوله الحزب ايضاً، في معرض تقويم ما آل اليه تحرك كتلة الاعتدال الوطني، عن السر الذي تحمله كي تنجح في ما اخفقت فيه ولا تزال الدول الخمس المهتمة بانتخاب الرئيس. لم تعد هذه في ضوء العجز الذي يتكشف لديها يوماً بعد آخر سوى شبح ووهم. تصل الى الحزب وشوشات كل من اعضائها الخمسة حيال الآخر يبخّس دوره مرة، ويغالي في تقويم دوره هو مرة اخرى. عزا السفير السعودي وليد البخاري امام نظيره الايراني مجتبى اماني في لقائهما في كانون الثاني الفائت، اندفاعة المملكة المستجدة في الاستحقاق الرئاسي بعد طول كمون الى رد فعل على تحرّك قطر. يُنسَب الى السفير القطري امام زواره اللبنانيين ان مرجعية انتخاب الرئيس ستؤول في نهاية المطاف الى الدوحة، رائياً في تحرك الموفد الفرنسي الخاص جان ايف لودريان انه غير ذي شأن وفائدة، وان الامارة قادرة على تحمّل عبء التسوية. اما ما يقوله الاميركيون عن دوريْ قطر وفرنسا فحدّث ولا حرج.
ما السر عند كتلة الاعتدال الوطني كي تنجح في ما فشلت فيه الدول الخمس؟
في مناقشات الحزب مسعى كتلة الاعتدال الوطني ملاحظتان:
اولاهما، ان من المبكّر الآن التفكير في انتخاب رئيس للجمهورية قبل وقف النار في غزة، ومن ثم وقف النار في الجنوب. دونما تمسّك الحزب بربط الحرب الاقليمية بالاستحقاق الدستوري اللبناني، فإن الربط واقع حتماً. لمّح اليه اثنان من المعنيين الرئيسيين به هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
كلاهما قاربا الربط على نحو مختلف للآخر، لكنه متطابق مع موقع كل منهما في الاستحقاق وعلاقته المباشرة به: فرنجية كمرشح معلن، وجنبلاط كمعارض سابق لترشيح فرنجية واكثر المستعجلين لحصول تسوية. عندما زاره الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني مرتين في بنشعي، يحاول اقناعه بسحب ترشيحه تمهيداً للتوصل الى تفاهم على انتخاب المرشح الثالث، سمع من فرنجية اصراراً على المضي في هذا الترشيح، ويقينه من فرصته، متوقعاً ان التسوية المقبلة ستفضي في ضوء وقف حرب غزة الى الخيار الذي يتوقعه هو والحزب. بدوره جنبلاط وصل الى الاستنتاج نفسه من مقاربة مختلفة، متصلة بحتمية حصول تسوية بعد حرب غزة سيكون حزب الله شريكاً رئيساً فيها. في لقائه السفير الايراني في كانون الاول الفائت، قال جنبلاط ان ثمن استعادة الاستقرار في الجنوب سيُعطى الى حزب الله وحده. في وقت لاحق قال لفرنجية ان تعثر انتخابه ليس عنده هو، بل لدى خصومه الموارنة مُعبّراً عن عدم ممانعته انتخابه.
كلا موقفيْ فرنجية وجنبلاط يتحدث عنهما حزب الله على انهما احد الهواجس المحيطة بانتخاب الرئيس، وتدفع الى مزيد من المخاوف المسيحية خصوصاً من تسوية في منطق المعارضة المسيحية انها «فرض رئيس»، وفي منطق الفريق الآخر استكمال حلقات تسوية تبدأ في غزة، وتمر بجنوب لبنان، وتنتهي في قصر بعبدا. يقين الحزب كيقين فرنجية وجنبلاط: لن تُقفل جبهة الجنوب الا بمنتصر حقيقي هو حزب الله.
ثانيتهما ينظر حزب الله الى انتخاب الرئيس اللبناني على انه «اشتباك» بينه وبين الاميركيين سيفضي في نهاية المطاف الى الوصول الى تسوية فعلية عندما يحين اوانها. كما في ظنه ان الوقت لا يزال مبكراً للانتخاب. ذلك ما يفعله الاميركيون ايضاً غير المستعجلين الوصول الى هذا اليوم قبل استتباب امن الحدود الشمالية لاسرائيل، المتقاطع مع ما يشترطه حزب الله وهو وقف النار في غزة اولاً.
يعزّز هذا الاعتقاد عند الحزب ما نُقل اليه عن حوار دار بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والسفيرة الاميركية في بيروت ليزا جونسون مناقشاً الورقة الفرنسية لترتيبات امنية في الجنوب تعيد الاستقرار الى الحدود الدولية. بينما ينكبّ لبنان على اعداد الرد عليها، ابلغت اليه السفيرة موقفاً سلبياً قاطعاً منها، هو ان لا قيمة لها وتساوي صفراً. ما قالته ايضاً ان المفاوض الوحيد والحصري المكلف ترتيبات الجنوب هو الموفد الاميركي الخاص عاموس هوكشتين، المكلف كذلك ملف الرئاسة اللبنانية. عندما يحين اوان انتخاب الرئيس، وحده هوكشتين المنوط به انجاز الاتفاق من حوله. مؤدى ذلك ان، في الوقت الحاضر، ليس في صدد الخوض فيه قبل التوصل الى الترتيبات الامنية في الجنوب، ما يحيل الاستحقاق مؤجلاً الى امد غير معروف.