ما بين الأول من شباط والاول من آذار استغرقت الرحلة التي قام بها “سفراء الخماسية” ما بين عين التينة والسرايا الحكومية، لتتظهر معها “الصورة الجماعية” الثانية والأخيرة لهذا الموسم مع المسؤولين اللبنانيين، لاستحالة بلوغ الثالثة. وكل ذلك يجري في انتظار ما يمكن ان تقود إليه الجهود الداخلية والخارجية على الطريق إلى جلسة انتخاب الرئيس بدورات متتالية. وهو ما فرض طرح عدد من الاسئلة حول ما يعوق انجاز هذه المهمّة؟.
ليس من السهل الفصل بين ما يجري في المنطقة من تطورات متسارعة وبين حراك الداخل، لتعبيد الطريق أمام المرشح الثالث الى قصر بعبدا، من أجل فتح أبوابه مجدداً، بعد اكثر من 15 شهراً على إقفاله مخافة ان تطول هذه الرحلة الى ما بعد بعد كثير من المحطات الإقليمية والدولية الكبرى. فقد تشابكت الأزمات الداخلية مع تلك الإقليمية، وخصوصاً إن لم يتمّ التوصل الى اتفاق نهائي لوقف النار في قطاع غزة وإطلاق الآلية السياسية المؤدية الى حل شامل ومستدام، يكفي للاعتقاد بأنّ ما يجري هو من آخر الحروب الاسرائيلية ـ الفلسطينية والعربية. إذ انّه لم يعد هناك من مشروع حرب عربية ـ اسرائيلية إن لم تنعكس هذه التطورات لتشمل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة سوى لبنان. وهو أمر وارد ما لم يتمّ التفاهم على إظهار الحدود اللبنانية ـ الدولية نهائياً، وسدّ آخر الأبواب المؤدية الى حرب محتملة.
وإن كان من المرجح ان تكون الزيارة الجماعية التي قام بها السفراء الخمسة الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بروتوكولية وشكلية، طالما انّه من خارج المعنيين بانتخاب رئيس الجمهورية العتيد. لكنها تدل إلى حجم الاهتمام الذي تحظى به قضية انتخاب الرئيس، بمعزل عن اي سؤال يمكن ان يوجّه الى اي منهم عمّا يمكن القيام به لتزكية أو تقديم حظوظ مرشح على آخر. فهم أبلغوا الى كل من يعنيه الأمر انّ ليس لدى اي منهم اي مرشح جاهز لخوض السباق الذي على اللبنانيين تنظيم الدعوة اليه وتوجيهها والمشاركة فيه الى ان ينتهي الى مبتغاه في اسرع وقت ممكن، أياً كانت العوائق المحتملة وخصوصاً لجهة وجود من ينتظر استثمار ما يحدث في المنطقة لترجمته في الداخل.
وعليه، كان وما زال واضحاً انّ اياً من اللبنانيين لم يعد يصدّق انّ “المجموعة الخماسية” تعمل بقلب واحد ويد واحدة. فلكل منهم رأيه. وإن التقوا على تحديد الاهداف التي وُجدوا من اجلها، فهم على خلاف كبير لجهة الآليات التي يمكن اللجوء إليها. وهم مجمعون على الاقل، على انّه ما لم يبادر اللبنانيون بما هو مطلوب منهم، لن تكون هناك اي خطوة ايجابية تؤدي الى إنهاء الشغور الذي يتوسع في الإدارة والمواقع القيادية، الى درجة بات يهدّد كثيراً مما تحقق من استقرار سياسي وإداري. وإن كان لكل هذه المعطيات السلبية اي تداعيات متدحرجة امنياً وسياسياً وصولاً الى ما يمسّ المصلحة العليا للبنان واللبنانيين، فإنّهم يتقاسمون المسؤولية المتدرجة، كل حسب موقعه ودوره وما كان عليه القيام به ولم يفعل، كما بالنسبة الى من يعوق اي حل يمكن التوصل اليه.
عند هذه الملاحظات المبدئية، يتعزز الإعتقاد يومياً بأنّ المحاولات الداخلية التي تقودها بعض الجهات، ولا سيما منها مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني” الاخيرة، بدأت تتعرّض للانتكاسات الخفيفة، بعدما بلغت مرحلة متقدّمة لتظهير موقف إيجابي لعدد من الكتل النيابية المعارضة، او تلك التي رغبت في الفترة الاخيرة بأن تكون في المنطقة الرمادية، مخافة ان تؤدي الى حشر الفئة الاخرى التي لم يعد لديها ما يكفي من الحجج والمعطيات لإقناع المجتمع الدولي ومعظم اللبنانيين، بأنّ الاستحقاق بات محكوماً بالتفاهمات الإقليمية والدولية المتأتية من العدوان على غزة، وما يمكن ان تقود إليه من نتائج ما زالت بعيدة المنال او على الاقل لم تظهر معالمها، كما بالنسبة الى الحروب التي خيضت على هامشها من جنوب لبنان الى سوريا والعراق واليمن.
وعليه، فإنّ ما بدأ يظهر من ملاحظات حول أداء “كتلة الاعتدال الوطني” النيابية بات يلقي بظلاله الوافرة على ما حملته من اقتراحات تتحدث عن آليات قال الدستور بغيرها وبطريقة مبسطة لا تحتمل سوى الجدل حول “جنس الملائكة”، والتي تحتمل كثيراً من التفسيرات المتناقضة. فحسن النية الذي أبداه أعضاؤها لا يكفي لتحقيق ما ارادوه، في ظلّ ما عبّروا عنه مما يقارب “السوريالية السياسية” بعيداً عمّا هو مطلوب من عناصر القوة الكافية لقيادة البلاد الى حيث يجب ان تكون في محاكاة التطورات الإقليمية الخطيرة والمتغيرات المحتملة في دول المنطقة. ففقدان الحنكة السياسية المطلوبة زاد في الطين بلّة عند تعاطيها مع من يتقنون فنون زرع وتفكيك حقول الألغام وتفكيكها في كل مفاصل الحياة الدستورية والسياسية.
على هذه الخلفيات، يتوسع العارفون بكثير مما يغلّف بعض الخطوات وينزع عنها الصفات الايجابية، ليعتبروا انّ مهمّة التكتل اقتربت من نهايتها، وإن امضت اسبوعاً او اسبوعين لإتمام جولاتها، فإنّ ما أُريد ان يتحقق لهم ومن مهمّتهم قد تحقّق لمجرد ان انتهت من ترحيب ممزوج ببعض الشروط الشكلية التي لن تقدّم ولن تؤخّر في مجرى الأحداث، طالما انّها ما زالت تصبّ في اتجاه الإنقسام الحاصل على الساحة السياسية، قبل ان تبدأ الجولة المقبلة وما تحمله من شروط معقّدة وصعبة لمجرد انّها ستكون رهناً بما يمكن ان تأتي به تطورات المنطقة، بمعزل عن اي تطور داخلي مهما كان حجمه.
وعند هذه الملاحظات الدقيقة يتوقف بعض المراقبين الحياديين، ويدعون الى انتظار اللقاء المقرّر مبدئياً مع كتلة “الوفاء للمقاومة” الاثنين المقبل، لمعرفة طريقة التعاطي مع ما هو مطروح من افكار يعتقد أصحابها انّها شكلية، فيما يراها آخرون جوهرية، وخصوصاً عندما يُسألون عن آلية إدارة طاولة الحوار او التشاور وطريقة توجيه الدعوة ومن هي الجهة التي تضع جدول الأعمال ومن يديرها، ومن يجلس حولها وبأي معايير، بعدما تعدّدت التجارب السابقة. وكلها عناصر تُضاف الى تحديد الجهة التي ستتولّى ادارة المرحلة التي تليها، وسبل ترجمة اي تفاهم يمكن ان يتحقق ما لم تُنتج ما يرضي الجهة القادرة على فتح أبواب المجلس، ومن يقدّر الظروف التي تملي الانتقال من الدعوة الى “جلسة يتيمة” لما يُسمّى “الدورات المتتالية” إن لم يستقر الوضع في الجنوب وتهدأ العواصف المتأتية عن انخراط جزء من الجالسين حولها في نزاع المنطقة بقدرات تتفوق على اي قوة أخرى سياسية أو دستورية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات الدالّة الى ما يصح فيه القول “وصلتونا لنص البير وقطعتوا الحبلة فينا”، يتكشف يوماً بعد يوم، انّ بعضاً من اصدقاء اعضاء الكتلة ومعهم سفراء “الخماسية” قد فقدوا الامل من اي خطوة ايجابية يمكن ان تقود اللبنانيين الى آلية تُنهي الوضع الشاذ في البلاد، ولذلك فهم ينتظرون ما يمكن ان يفاجئهم به الاميركيون من طروحات جديدة قد تقلب التطورات رأساً على عقب.
محليات مهمّة” كتلة الاعتدال: “وصلتونا لنص البير وقطعتوا الحبلة فينا”!(جورج شاهين -الجمهورية)