لا يُعتبر تجريم الحزب في الكويت حدثاً جديداً، فالحزب مُصنّفٌ منظمة إرهابية في دول مجلس التعاون الخليجي الستّ (السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، عُمان، البحرين) منذ عام 2016. لكنّ الجديد هو ما كشفه الحكم الذي أصدَرَته محكمة التمييز الكويتية في 12 شباط 2024 ونشَرَت حيثيّاته الكاملة قبل أيام. وينفرد “أساس” بنشر تفاصيله الكاملة. وأبرزها صدور إيصالات من مكتب الأمين العام للحزب حسن نصرالله. ورصد مسؤولين سعوديين. وتنظيم زيارات للنجف العراقية وقم الإيرانية. واستخدام “البخّور والقهوة للتمويه”. والانضمام إلى مجموعات “داعش” على “تليغرام”.
يُعدّ هذا الحكم حلقة جديدة في مسلسل طويل لتدخّلات الحزب في الكويت خصوصاً، ودول الخليج عموماً. وسيكون محور موضوع لاحق في “أساس”.
يكشف الحكم الجديد أنّ أنشطة الحزب في الكويت (وانطلاقاً منها) لم تتوقّف في السنوات القليلة الماضية. وذلك على الرغم من تضرّر العلاقات الرسمية بين لبنان والكويت جرّاء قضية “خليّة العبدلي”. حين فكّكت الأجهزة الأمنيّة الكويتية عام 2015 خليّة إرهابية مدعومة من الحزب. لأنّها قامت بتخزين وحيازة السلاح في مزرعة بمنطقة العبدلي (شمال الكويت قرب الحدود مع العراق) بكمّيات كبيرة. وفي 2017 طلبت الكويت رسمياً من السلطات اللبنانية اتّخاذ موقف رسمي ووقف ممارسات الحزب التي تهدّد أمنها واستقرارها. وذلك عقب صدور الحكم القضائي الذي أثبت مشاركة ومساهمة الحزب في الكويت في قضيّة “خليّة العبدلي”.
في القضية الجديدة التي حوكم فيها مواطنان كويتيان وامرأة لبنانية، تكشّفت تفاصيل تُثبت أنّ الأنشطة ليست محصورة في الكويت. وإنّما تشمل أيضاً جمع معلومات عن السعودية، والتخطيط لعمليات في البحرين، وتلقّي تدريبات في العراق. إضافة إلى تنظيم لقاءات في إيران، وإرسال أموال إلى لبنان، خلال الفترة من 2017 حتى نهاية 2022.
شملت القائمة 6 اتّهامات للشخص الأوّل ويدعى (ح.ع):
1- التخابر مع الحزب و”سرايا الأشتر” (وهما جماعتان تعملان لإيران) للقيام بأعمال عدائية تتضمّن “إشاعة الذعر والفوضى في الكويت”.
2- التخابر مع “سرايا الأشتر” للقيام بـ”عمل عدائي ضدّ النظام القائم بمملكة البحرين”.
3- القيام بـ”عمل عدائي ضدّ السعودية”، من خلال التواصل مع “هاكر” متخصّص بقرصنة البيانات. وذلك “بغرض الحصول على أسماء القيادات العسكرية بالمملكة العربية السعودية”.
4- تلقّي تدريبات على صناعة المفرقعات واستخدام الأسلحة والذخائر من قبل “سرايا الأشتر“.
5- الانضمام إلى “جماعة حزب الله اللبناني الإرهابي التي غرضها العمل على: نشر مبادئ ترمي إلى هدم النظم الأساسية بطرق غير مشروعة والانقضاض بقوّة على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم في البلاد”.
6- تمويل الحزب “وهو عالم بأوجه صرف هذه الأموال لأغراض غير مشروعة”
أمّا الكويتي الثاني (م.ن) واللبنانية (ف.خ)، فشملت القائمة 4 تهم موجّهة إليهما:
1- الانضمام إلى الحزب على الرغم من علمهما أنّه إرهابي.
2- جمع الأموال نقداً من دون ترخيص، وتحويلها للحزب خارج إطار القنوات الرسمية.
3- نشر وترويج معلومات تخصّ منظمة إرهابية (الحزب) على الشبكة المعلوماتية.
4- إساءة استعمال وسيلة من وسائل الاتصالات الهاتفية.
الجمهوريّة الإيرانيّة الكبرى
ورد في حيثيات الحكم ما حرفيّته: إنّ الحزب اللبناني “تنظيم مسلّح يعمل لمصلحة جمهورية إيران ويؤمن بالثورة الإيرانية ومبادئها. وغرضه نشرها في دولة الكويت وكلّ الدول الإسلامية، والتي تقوم في جوهرها على فكرة هدم النظم الأساسية في تلك الدول بطرق غير مشروعة. والانقضاض بالقوة على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم فيها للسيطرة عليها وتكوين الجمهورية الإيرانية الكبرى”.
كما تضمّنت تفاصيل عن علاقة المتّهم الأوّل بشخص بحرينيّ الجنسية يُدعى “أبا مريم”. وهو قيادي في “سرايا الأشتر”، تعرّف عليه أثناء زيارته لمدينة قم الإيرانية. ونشأت بينهما علاقة قادت المتّهم نفسه إلى زيارة مدينة النجف في العراق لاحقاً (وإحضار بخّور ودلّة قهوة معه كنوع من التمويه). وذلك للالتقاء بالمدعوّ “أبي مريم” وتلقّي دورة حمل السلاح واستخدام الذخيرة وصناعة المتفجّرات، تمهيداً للقيام بعمل عدائي ضدّ البحرين.
عندما وصل المتّهم إلى النجف، استقبله شخص عراقي الجنسية يدعى “أبا صادق”. وهو أحد عناصر الحزب. وطلب منه بناء على أوامر “أبي مريم” الحضور إلى أحد المنازل حيث تلقّى دورة عن صنع المتفجّرات المنزلية.
“السيد ع.ع” وكيل عن نصرالله
لكنّ الأبرز هو علاقة المتّهم بقياديين بارزين في الحزب أحدهم يدعى “السيد ع.ع”. وهو “وكيل بتحصيل الأموال نيابة عن حسن نصرالله الأمين العامّ للجماعة المُسمّاة حزب الله”، بحسب ما ورد في الحكم.
كان المتّهم يرسل الأموال إلى “السيد ع.ع” “عن طريق وسطاء داخل دولة الكويت. وكان الأخير يرسل له عبر برنامج الدردشة الفورية الواتساب وصولاتٍ بالمبالغ التي قام بالتبرّع بها صادرة عن مكتب الأمين العامّ للحزب. وأخرى صادرة عن مؤسّسة الشهيد الخيرية ومشروع ساهم الخيري، اللذين يعودان للحزب نفسه. وكلّ الوصولات ممهورة بتوقيع “السيد ع.ع”.
أثبتت التحقيقات أنّ “الوسطاء الذين كان يوصل إليهم المتّهم الأوّل الأموال، هما المتّهمة الثانية والمتّهم الثالث. وكانا بدورهما يوصلان الأموال لـ”السيد ع.ع”، بطريقة مباشرة أو عبر تحويلات إلى شخصين يعملان معه هما “س.ش” و”ع.م”.
التعلّم من “داعش” واستهداف السعوديّة
وفق ما ورد في الحكم، فإنّ المتّهم كان يستخدم عدّة أسماء وهمية في تعاملاته، “بغرض التمويه والتخفّي والتملّص من المساءلة القانونية”. وإنّ التحرّيات أسفرت عن أنّه “انضمّ لأحد الغروبات الجماعية لجماعة داعش. وذلك عبر برنامج التواصل الاجتماعي (التليغرام) بغرض تحميل سلسلة فيديوهات عددها 23 مقطعاً متعلّقة بطرق التجسّس والتخفّي وصناعة المتفجّرات”.
اعترف بأنّه تعلّم وتدرّب على كيفية صناعة المتفجّرات والمفرقعات التي من الممكن إعدادها بالمنزل. وذلك من خلال الانضمام إلى العديد من المحادثات الجماعية الخاصة بتنظيم داعش في تطبيق التلغرام. وأنّه مهتمّ ومطّلع على العديد من الأساليب الأمنيّة الاستخبارية وعمليات كشف المراقبة الأمنيّة. وأقرّ بأنّه مشترك ومُنضمّ إلى جماعة الحزب، كما أنّه يقتدي ويأتمر بأمر قيادات هذا التنظيم، بالإضافة إلى أنّه مشترك ومنضمّ إلى جماعة سرايا الأشتر.
اعترف أيضاً بأنّه “تواصل مع أحد الأشخاص في تطبيق الإنستغرام من المتخصّصين في قرصنة البيانات الحكومية. وذلك لتزويده بأسماء وبيانات القيادات العسكرية والعامة في المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى المواقع الأمنيّة والعسكرية الحسّاسة بالمملكة”.
إدانة بلا عقاب
ردّاً على قول المتّهمين إنّ جمع وتحويل الأموال هو لأغراض إنسانية. أكّدت المحكمة أنّ “من يريد أن يتبرّع بشكل إنساني وخيري يستطيع التقيّد بالأطر التي تضعها الدولة من خلال الجمعيات الخيرية الكثيرة في دولة الكويت. دون جلب الشبهات والتبرّع لجماعة محظورة وعليها تحفّظات كالحزب، الذي سبق أن قام بأعمال عدائية ضدّ دولة الكويت”.
في المحصّلة، قضت محكمة التمييز بإدانة المتّهمين في الجرائم المنسوبة إليهم مع الامتناع عن النطق بالعقاب. على أن يُقدّم كلّ منهم تعهّداً بحسن السلوك لمدّة سنتين مع كفالة بقيمة 2,000 دينار (حوالي 6,500 دولار).
خالفت المحكمة بذلك حكمَيْ محكمة الجنايات في 15/6/2023 ومحكمة الاستئناف في 26/9/2023، اللذين قضيا بتبرئة المتّهمين.
علّلت محكمة التمييز الامتناع عن العقاب (عملاً بنصّ المادّة 81 من قانون الجزاء) بالنظر إلى “ظروف الواقعة وملابساتها، وحداثة سنّ المتّهم الأوّل، وخلوّ صحيفة المتّهمين الجنائية من سبق ارتكابهم لأيّة جريمة، وهو ما يبعث على الاعتقاد بأنّهم لن يعودوا إلى الإجرام”.
أساس -ميديا