ميدانياً لا يزال السباق محموماً بين الوضع الساخن ومفاوضات التوصّل إلى الهدنة في غزة. اقترح الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين فصل مسار حرب غزة عن الجنوب بحيث تكون هدنة الجنوب نهائية في حال كانت هدنة غزة مؤقّتة. لا جواب من الحزب المصرّ على ربط الجبهتين، والذي لا يحرّك ساكناً في الرئاسة على قاعدة أنّ الربط هنا أيضاً تحصيل حاصل باعتراف دوليّ. فماذا في حال فشلت محاولات التوصّل إلى هدنة؟ وهل ينعكس ذلك على الرئاسة فيتشدّد الحزب أكثر؟
ميدانياً، تؤكّد مصادر مطّلعة على الجوّ الفلسطيني لـ”أساس” أنّ الهدنة في غزة واقعة لا محالة والمباحثات بشأنها لم تصل إلى حدّ الانهيار. قائلة إنّ التفاوض الندّيّ عادةً ما يكون صعباً. لكنّ هذه الهدنة ستكون مؤقّتة، سريان مفعولها على غزة لن ينسحب على لبنان. ولهذا السبب حمل الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين اقتراحاً بفصل جبهة الجنوب عن غزة. والدخول في تفاوض حول ما سيكون عليه الوضع على الحدود. وضمان وقف نار نهائي لا مؤقّت في الجنوب. فإذا استأنفت إسرائيل حربها بعد الهدنة في غزة لا يعاود الحزب إشعال جبهة الإسناد جنوباً. احتمال غير وارد في ذهن الحزب الذي يطالب بهدنة طويلة يعقبها وقف إطلاق نار نهائي. موقف الحزب سيكون صعباً. الخروج من منطق ربط الساحات ليس ممكناً. مضطرّ متى انتهت الهدنة في غزة إلى استئناف المواجهة على الجبهة. وضع غزة بالغ التعقيد مع هدنة أو بدونها، فماذا سيكون مصير لبنان ورئاسته المعلّقة على جبهة الإسناد؟
أوان الرئاسة لم يحِن
على عكس ما يؤكّد فإنّ الحزب ليس بوارد التفرّغ للرئاسة. تمسّكه بمرشّحه يدلّل على أنّ باب الأخذ والردّ رئاسياً لم يفتح بعد. تقول مصادر نيابية إنّ الحزب أكثر من يدرك أنّ انتخاب سليمان فرنجية خارج التوافق مستحيل، لكنّ أوان الرئاسة لم يحِن بعد حسب توقيته.
في حزيران الفائت عقد مجلس النواب آخر جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية ومُنيت بالفشل. ولم يستطع أيّ من المرشّحَين سليمان فرنجية وجهاد أزعور الفوز. كانت الجلسة بمنزلة بروفة كادت أن توصل رئيساً من خارج إرادة الثنائي لولا أن استدرك رئيس المجلس وتلقّف الموقف وانتهت الجلسة. تجربة سيقفل الثنائي الباب على تكرارها منعاً لتسلّل مرشّح خارج التوافق الذي يصرّ عليه. احتمال مرور عام على جلسة الانتخاب تلك وارد وبقوّة.
كما في الجبهة كذلك في الرئاسة موقف الثنائي بات محرجاً مع تدفّق المبادرات الداعية إلى فتح أبواب مجلس النواب والدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس. لكنّ الرئاسة بحكم الأمر الواقع باتت معلّقة على نتائج حرب غزة وجبهة الجنوب وترابطهما في المسار والمصير. محاولات عدّة تسعى إلى فصل انتخابات الرئاسة في لبنان عن حرب غزة وجبهة إسنادها. لكن ما ليس معلوماً بعد الموقف الأميركي الذي يصبّ جلّ جهوده على وقف جبهة الجنوب وتحقيق الاستقرار على الحدود الشمالية لإسرائيل. ولأجلها بات موفده مستعدّاً لأن يقدّم تنازلات من أجل عودة الهدوء مجدّداً.
خلال زيارته استفسر هوكستين عن الملفّ الرئاسي واستفاض بتفاصيله في كليمنصو ومع نواب المعارضة. وتقول مصادر واسعة الاطّلاع إنّه لمّح إلى إمكانية أن يدخل ملفّ الرئاسة في صلب أيّة تسوية حول الحدود، لكنّ الحزب يرفض المقايضة.
الخماسيّة تتحرّك
محاولة ثانية تسعى إلى فصل الرئاسة عن الميدان والنأي بها عن جبهة الحرب تتأتّى من خلال جهود اللجنة الخماسية الرئاسية. التي تسعى إلى استئناف تحرّكها رئاسياً ومعاودة التحرّك من أجل فتح كوّة في جدار الملفّ الرئاسي. وعلم “أساس” أنّ اللجنة في صدد استئناف زياراتها للمسؤولين لاستكمال البحث في إمكانية فتح مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.
تقول المعلومات إنّ اللجنة الخماسية الرئاسية ستبدأ ابتداء من الأسبوع المقبل برنامج زيارات للقيادات اللبنانية. وستعاود زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري والاستفسار منه عن إمكانية فتح أبواب مجلس النواب والدعوة إلى جلسات انتخاب متتالية. وإنّ هذا الأمر يشكّل خطوة أساسية بالنسبة إليها.
تنقل مصادر موثوقة لـ”أساس” أنّ اللجنة أبدت انزعاجاً من موقف المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل. الذي أنهى مبادرة نواب الاعتدال الوطني. وفُهم أنّ كلامه كان موضع تداول سفراء الدول الخمس. خاصة أنّ تحرّك نواب الاعتدال جاء مدعوماً من الخماسية.
ثمّة مخاوف داخل الخماسية من أن يتمّ التعاطي مع تحرّكهم بالشكل الذي يتمّ التعاطي فيه مع أيّ مبادرة هدفها دفع عجلة انتخابات الرئاسة. ويبدي السفراء انزعاجهم من عدم وجود أرضية مؤهّلة لبلورة أيّ تحرّك أو خطوة في اتجاه عقد جلسة انتخاب. وإنّ فشل جهودهم هذه المرّة ستكون له انعكاساته.
في هذا الوقت كان اللافت الإعلان عن زيارة خليل لقطر واحتمال أن يكون قد حمل دعوة من برّي للدوحة إلى معاودة تحرّكها رئاسياً. خاصة أنّ الزيارة جاءت غداة مغادرة هوكستين الذي حمل صيغة حلّ لما بعد الهدنة في غزة تعيد الهدوء على الحدود الجنوبية.
سرّ ما حمله هوكستين بتفاصيله يبقى أسير برّي الذي أرسل موفداً عنه إلى الدوحة بما يؤكّد وجود مسعى رئاسي أولى خطواته الاستعانة بصديق. لكنّ السؤال: هل ترضى دول الخماسية، وبالأخصّ الأميركي والفرنسي، الاستعانة بقطر بينما يسعى سفراؤها إلى التحرّك بمسعى جديد منها؟