أحسن ما خلّفته زيارة وفد حزب الله للرئيس ميشال عون الأسبوع الماضي، استمرار التواصل بينهما ليس إلا. لم يكن الوفد الزائر قليل الأهمية. غير أن ما تبادله المضيف والضيف أفصح عن تباعد أساسي في ما بدَوَا يفترقان جدياً من حوله هو انخراط حزب الله في حرب غزة
قيل بعد زيارة وفد من حزب الله للرابية في 7 آذار إنها كانت مقرّرة قبل ظهور الرئيس ميشال عون في مقابلة تلفزيونية في 19 شباط، وسرعان ما تبيّن أن المقابلة بالذات وراءها. ما أدلى به عون في المقابلة، كان من المرات النادرة التي يُصوّب على حزب الله مباشرة وعلناً. إبان وجوده في قصر بعبدا، شكا مراراً من تباطؤ الحزب إلى حد الانكفاء عن التعاون معه وتذليل العراقيل في طريق العهد، ناهيك بعرقلة إصلاحات وإجراءات كان في مستطاعه أن يكون فيها الحزب إلى جانب حليفه، لكنه ارتأى الموازنة بين عون وخصومه. ذلك ما رافق علاقة الرئيس السابق بالرؤساء نبيه برّي وسعد الحريري ونجيب ميقاتي.نأى عون بنفسه، مراقباً منتقداً بعيداً من الإعلام، عن الخلاف المتنامي بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وحزب الله في موقفيْن بالغَي الصعوبة، هما ترشيح الحزب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لانتخابات رئاسة الجمهورية، وإطلاق يد الحكومة المستقيلة في تولي السلطة إبان الشغور. اعتبر عون أن رئيسها ميقاتي «يستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية». ودعم وجهة نظر صهره في كلا الموقفيْن، مع التعويل على أن في وسعه تجنيب الحليفين مزيداً من الخلافات والوصول إلى حافة الطلاق. لكن ما قيل في المقابلة التلفزيونية الأخيرة لعون، لم يكن سوى رأس جبل الجليد، وأفصح عن كمّ وافر من التعارض في ملفات شتى يصعب إيجاد حلول لها.
لم يُخفِ حزب الله انزعاجه مما قاله الرئيس السابق في المقابلة التلفزيونية. منشأ الانزعاج ليس المضمون بل المصدر. في ما برّره مسؤولون فيه بأنهم توقّعوا رد فعل مسيحياً سلبياً مناهضاً لتدخّل حزب الله في حرب غزة، لكنهم يتفهّمون في الوقت نفسه دوافعه ذات الجذور التاريخية لدى الرأي العام المسيحي، اعتادت التعبير عنه بكركي والأحزاب المسيحية على مرّ عهودها. إلا أن صدوره عن الرئيس السابق أخيراً أقلق الحزب وفاجأه بعدما خبرَ وقوف عون إلى جانبه وتضامنه معه في استحقاقيْن داهميْن تجاوزا الملفات الداخلية: حرب تموز عام 2006 ومشاركة حزب الله في الحرب السورية. قبل التحضير لزيارة الوفد للرابية، أوعز الحزب إلى نوابه وقيادييه بعدم الرد منعاً لتفاقم ردود الفعل.
مما قاله الرئيس السابق لوفد حزب الله برئاسة رئيس الكتلة النيابية محمد رعد:
1 – مع إظهار الرغبة في استمرار الحوار والتواصل، بيد أن كلا الطرفيْن تمسّك بوجهة نظره حيال حرب غزة. أكد عون مجدداً معارضته إياها للأسباب نفسها التي أوردها في المقابلة التلفزيونية. يعرف أن ما قاله أزعج حزب الله، «غير أنني كمسؤول لا يسعني الوقوف متفرجاً على الحقائق أمامي وأصمت». في المقابلة، سمع من زواره الثلاثة أن حزب الله تأثّر بما قاله وانزعج منه.
2 – أصغى إلى ما أدلى به رعد عن الدوافع التي أملت على حزب الله الانخراط في حرب غزة عبر إشعال جبهة الجنوب. ردُّ عون: «وجهة النظر هذه بالنسبة إليّ ضعيفة غير مقنعة. أعتبرها معركة خاسرة. أنا خائف عليكم، لكنني خائف على لبنان أيضاً. لا أعرف إلى أي مدى يسع الحزب الاستمرار في هذه المعركة والمدى الذي سيصل إليه، بينما أخشى من النتائج لأن موازين القوى ليست في مصلحته ولا في مصلحتنا نحن».
3 – ما يجري في حرب غزة في حسبان الرئيس السابق «ليس معركة متكافئة بين طرفيْن. ليست من واحد الى واحد، بل انخرط الغرب كله فيها بدءاً بالأميركيين وصولاً إلى الأوروبيين وراء إسرائيل التي تملك أكبر قوة تدميرية في الشرق الأوسط، في إمكانها أن تطاول الشرق الأوسط بأكمله بفضل جسور الدعم والتمويل والتسليح المقدّمة إليها، خصوصاً من الأميركيين. يقصف الحوثيون البواخر التجارية بينما ترسو بواخر مدّ إسرائيل بالسلاح في ميناء حيفا. ألا يلفت الحزب أن العالم تعاطف مع الشعب الغزاوي ولم يدعم مرة حماس أو أيّدها في موقف. أليس لذلك مغزى؟».
4 – لم يخفِ قلقه من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قرى لبنانية في الجنوب «صارت صورة مصغّرة عن غزة بفعل تعرّضها للتدمير الكامل وتهجير الأهالي». لم يرَ في ما يجري مصدر مخاوف الرأي العام المسيحي فحسب، بل الرأي العام اللبناني برمّته «سوى ذلك، أي تبرير ليس سوى أعذار».
لا أعرف إلى أي مدى يسع حزب الله الاستمرار في معركة موازين قواها ليست في مصلحته ولا في مصلحتنا
5 – مما قاله لرعد: إن على حزب الله أن يتنبّه إلى بعض ما يشاع بخبث حيال عدم استهداف إسرائيل بلدات وقرى مسيحية بقصفها وتدميرها كما لو أنها تؤيّدها، و«هو غير صحيح على الإطلاق». جواب محدّثه أن الحزب «تنبّه إلى هذه المسألة».
6 – مأخذه الرئيسي على حزب الله بإزاء حرب غزة «أننا لم نُستشر في قرار خطير كهذا. كنت الوحيد إلى جانبه عندما هاجمت إسرائيل لبنان عام 2006، وكان يقاوم آنذاك عدواناً على لبنان. في حرب سوريا كنت إلى جانبه عندما منع الإرهاب والتطرف من وضع اليد على لبنان. لا ننسى أن الإرهابيين دخلوا إلى البقاع الشمالي وإلى بلدات شيعية وتدفّق السلاح هناك وكذلك الخلايا النائمة وحدثت تفجيرات، فدافع الحزب عن نفسه وعن بلداته. إدخالنا في حرب غزة مختلف تماماً. ليس مقاومة لإسرائيل ولا دفاعاً عن حدود لبنان كي نكون إلى جانبه، بل تورّط في حرب سوانا وذهب إليها بمفرده. لا الحكومة اللبنانية قررتها ولا الجامعة العربية. هل من معاهدة دفاع مشترك بيننا وبين غزة؟ التزم بما ليس في وسع لبنان التزامه».
7 – رغم امتعاضه المزمن، منذ ولايته الرئاسية، من إخلال حزب الله في الوقوف الى جانبه وتطبيق البند الرابع في وثيقة «تفاهم مار مخايل»، وهو «بناء الدولة»، يعزو عون خروجه أخيراً عن صمته إلى أكثر من استدراج لبنان إلى الحرب مع إسرائيل: «بيننا مشكلات أخرى مهمة أيضاً التزم الحزب بتنفيذها ثم تراجع عنها. بند بناء الدولة أحدها في تفاهم مار مخايل. لكنّ ثمة التزاماً آخر قطعه الحزب لجبران باسيل قبل نهاية ولايتي، هو التوافق على الرئيس المقبل للجمهورية. ذلك ما لم يحدث عندما انفرد بترشيح سليمان فرنجية والتمسك به ومحاولة فرض انتخابه على الجميع ولا أحد سواه».
8 – استمرار التواصل مع حزب الله قائم و«لم نُرد مرة الانفصال عنه ولا عن سواه. نحن معاً جميعاً في مجلس نيابي واحد. نتفق أحياناً على مشروع فنصوّت له ونختلف على آخر فنتباين في الاقتراع. ذلك ما يحصل أيضاً بين كتل أخرى». مع ذلك لا يلمس تحسّناً في علاقة باسيل بحزب الله.