مبادرة “الإعتدال” تترنَّح… و”الثنائي” ثابت على مرشّحه

تترنّح مبادرة تكتل الاعتدال، ومعها يراوح الملف الرئاسي في الدائرة المفرغة إياها. ويبدو المجهود الذي تبذله مجموعة السفراء الخمسة قاصرا، حتى اللحظة، عن تحقيق ما تصبو إليه، مثلها مثل غالبية اللبنانيين، لجهة انتخاب الرئيس العتيد وإنهاء الأزمة السياسية المستحكمة التي تحول دون بدء معالجة الأزمة الإقتصادية والمالية، انطلاقا من تطبيق الإصلاحات التي لا تزال تواجهها المنظومة الحاكمة بكل ما أوتي لها من قدرة وقوة وتعنّت.

ينسحب هذا التعثّر الخماسي على تحرّك تكتل الاعتدال الوطني، وهو الذي بات في المرحلة الثانية من مبادرته الرئاسية. ويحاول هؤلاء إبقاءه حيا يرزق، وهو ما يسعون الى تحقيقه في ما سمي بالجولة الثانية التي لم تكن ملحوظة أصلا عند بدء حراكهم.

من الواضح أن التعثّر هو ما فرض الجولة الثانية لزوم تمرير مزيد من الوقت، وهو الهدف الأساس من المبادرة، في انتظار تطورات غزّة والمفاوضات على مستوى الإقليم، ومآل مهمة المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين المعلقة هي الأخرى على مصير هدنة رمضان المتعثرة.

وليس قليلاً أن يعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه هو أب مبادرة الاعتدال. وسبق أن كان المسوّق الرئيسي لها والدافع الأكثر تأثيرا لكي تسلك سبلا مبسّطة وسهلة لدى أكثر من طرف محلي وخارجي. هذا الامر تدركه تمام الإدراك القوى التي وافقت على المبادرة بعد تواصل مباشر مع رئيس المجلس النيابي.

على الرغم من ذلك، يفضي التعثّر الغزّاوي بطريقة أو بأخرى إلى ترنّح المبادرة، إلى جانب ما تتلقاها من كدمات متتابعة من أكثر من جهة، حتى بات الإنطباع الأقرب إلى الحقيقة المطلقة أن ثمّة من يمتهن عملية تسويف متكاملة العناصر ترمي إلى ملء الوقت الضائع وإشغال الرأي العام جزئيا بما هو بعيد عن الحرب القائمة جنوبا في انتظار انتهاء الحرب في غزة.

مع ذلك، يُلحَظ جهد يُبذل راهنا لتوظيف أي هدنة محتملة في غزة من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي بشكل خاطف، أي في الربع الأول من مدة الهدنة إذا تحقّقت.
ولئن تبدو واشنطن على قناعة بأن الهدنة ستتحقق مهما كابر الطرفان المعنيان، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحركة حماس، لكن لا مؤشرات راهنا على إيجابيات قريبة ربطا بالتعثّر، وغالبه إمّا مفتعل وإمّا نتيجة الشروط والشروط المضادة.

هذا الواقع المعقّد دفع هوكستين إلى وقف مهمته اللبنانية موقتا والابتعاد قليلا في إنتظار مستجدّ فلسطيني ما يدفعه إلى معاودته نشاطه الرامي إلى تسوية طويلة الأمد للمشاكل الحدودية بين لبنان وإسرائيل، يمهّد لها بترتيبات الخطوة خطوة. وفي مقدّم أهداف المرحلة القصيرة الأمد إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم، على أن يكون مدخلها وقف فوري لإطلاق النار متى تحققت الهدنة في غزة.

كما أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان يستأخر زيارته إلى بيروت لقناعة تشكّلت لديه بأن لا شيء جديدا يتيح له البناء عليه من أجل تحقيق الإختراق المأمول فرنسياً.
في الموازاة، كانت لافتة العودة إلى التداول بأسماء مرشحين رئاسيين مع طرح أسماء جديدة تأسيسا على حركة سفراء المجموعة الخماسية ومبادرة تكتل الاعتدال. كما كان لافتا إنكباب ماكينة سياسية – إعلامية معروفة المعالم على حرق أسماء مرشحين يشكّلون تحدياً للجهة القائمة على حملة الحرق هذه.

في هذا الوقت، لا يزال الثنائي الشيعي متمسّكا بمرشّحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وهو في الأيام الأخيرة تقدّم خطوة إلى الأمام في سياق تحدّيه إرادة الغالبية العظمى من المسيحيين الرافضين هذا الخيار الرئاسي. ونُقل عن مسؤول كبير في حزب الله قوله: لا يضيرنا التمسّك بفرنجية حتى لو بقي الفراغ الرئاسي على حاله، طالما نحن وحركة أمل في توافق على هذا الخيار.
وبات واضحا أن الثنائي الشيعي لا تعنيه مخالفته الرأي الغالب المسيحي والوطني بضرورة الذهاب الى المرشح الثالث الذي يمكن أن يؤمّن توافقا عاما. فاعتبارات الحزب على وجه التحديد تتخطّى الإنشغال المحلي برئاسة الجمهورية والهواجس المتنامية من تآكل الصلاحيات وتفكّك الموقع وهيبته، إلى حيث الهمّ الجيوستراتيجي يتعلّق بالمشروع الإقليمي والاهتمامات الإيرانية.
يعني هذا الواقع أن الظرف لم ينضج بعد، على الرغم من نوافذ تُفتح بين الحين والآخر لكنها لا تلبث أن تُغلق إما بفعل تعثّر الترتيبات التهدوية في غزة، وإما نتيجة اعتبار الثنائي ومن يتآلف معه أن لا رئاسيَّ ملحّاً في انتظار الآتي من خلف البحار.

اترك تعليق