وصلت الجهود التي تبذل لإنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان إلى حائط مسدود رغم محاولة بعض الأطراف الإيحاء بأن الأبواب لا تزال مفتوحة على الحل. وهذه النتيجة تعكسها بشكل واضح المواقف التي صدرت عن مختلف الأطراف، وآخرها من قبل البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي هاجم بشكل مباشر خلال لقائه سفراء دول «اللجنة الخماسية» من أجل لبنان، طرح رئيس البرلمان نبيه بري للحوار، رافضاً تكريس أعراف تخالف الدستور، ومن ثم قول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن بري أطاح بمبادرة كتلة «الاعتدال الوطني».
هذه الأجواء تعكس انفراط عقد محاولات إخراج الأزمة الرئاسية من المأزق، وتحديداً جهود «الخماسية» و«الاعتدال» على حدّ سواء، وتجعل كل الحلول مرتبطة بما ستنتهي إليه حرب غزة، رغم نفي البعض ذلك، وعلى رأسهم «حزب الله».
وهذا الأمر يقوله بصراحة النائب في «الاعتدال» وليد البعريني، مشيراً إلى أن كل الجهود واللقاءات أرجئت إلى ما بعد عيد الفطر المبارك. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بناء على كل المواقف واللقاءات التي قمنا بها يبدو واضحاً، رغم الإيجابية التي يبديها معظم الأطراف، أنه تمّت فرملة كل التحركات بانتظار ما ستنتهي إليه الهدنة في غزة»، كما يقول: «ينفي البعض ربط الملف الرئاسي بغزة، لكن يبدو واضحاً أن الاستحقاق بات مرتبطاً في العمق بمسار الحرب، وبما ستؤول إليه الأمور في غزة».
ورغم هذه الفرملة يرفض البعريني القول بأن الجهود فشلت، معوّلاً على المواقف الإيجابية التي تصدر في هذا الإطار، لكنه يلفت في المقابل إلى أن التكتل الذي يتواصل بشكل دائم مع رئيس البرلمان حصل على إجابات على مبادرته من قبل معظم الأفرقاء، باستثناء «حزب الله» وحليفيه «تيار المردة» والنائب فيصل كرامي، قائلاً: «يبدو واضحاً أن التجاوب مرتبط بهدنة غزة».
وبعدما كان رئيس «القوات» حمّل بري مسؤولية إحباط مبادرة «الاعتدال»، يرى ريشار قيومجيان، الوزير السابق، ومسؤول العلاقات الخارجية في «القوات» الذي كان حاضراً الاجتماع الذي جمع رئيس «القوات» مع سفراء «اللجنة الخماسية»، الثلاثاء، أن أفق الأزمة الرئاسية مسدود، رامياً الكرة في ملعب «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل)، اللذين لا يتجاوبان مع كل الحلول المطروحة، ويتمسكان بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، عادّاً أن «حزب الله» يمسك البلد بأكمله بما فيه الملف الرئاسي رهينة بيده، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أنهم يربطون الانتخابات الرئاسية بحرب غزة، رغم نفيهم هذا الأمر، إلا إذا خضع الجميع لهم وتم انتخاب مرشحهم».
ويجدّد قيومجيان التذكير بأن المعارضة أبدت ليونة مرات كثيرة في مقاربتها الملف الرئاسي من التراجع عن ترشيح النائب ميشال معوض، والاتفاق على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وتطرح اليوم الاتفاق على خيار ثالث أو الدعوة لجلسات مفتوحة لانتخاب رئيس ليفوز من يحصل على أكبر عدد من الأصوات، ويقول: «لكن فريق الممانعة يرفض كل هذه الطروحات، ولا يبدي الحد الأدنى من التجاوب، إضافة إلى أنهم أجهضوا مبادرة (الاعتدال)، متمسكين بفكرة الحوار، وأن يترأسه رئيس البرلمان الذي هو يدير المجلس النيابي وليس رئيس النواب».
وكان سفراء «اللجنة الخماسية» قد استأنفوا حراكهم هذا الأسبوع بلقاء كل من بري والراعي، ومن ثم جعجع ورئيس الحزب «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط.
والسفراء هم: سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون، وسفير فرنسا هيرفيه ماغرو، وسفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، وسفير مصر علاء موسى، وسفير قطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني.
والأربعاء، جدّد رئيس البرلمان نبيه بري دعوته جميع الأفرقاء إلى التلاقي والتشاور والتفاهم، «لأن التشاور وحده كفيل بعدم إقصاء أحد، وبإنهاء هذه المراوحة المتحكمة بالملف الرئاسي»، وفق ما نقل عنه الوزير السابق وديع الخازن.
ولفت الخازن بعد اللقاء إلى أن بري تطرق إلى الموضوع الرئاسي، وعدّه «هاجساً وطنياً، بل إنه بمثابة همه اليومي، وما دعواته المتكررة للانتخابات إلا من قبيل وضع الجميع أمام مسؤولياتهم الدستورية والوطنية، إذ لا يمكن تجاهل هذا الاستحقاق؛ لأنه يأتي في صلب الواجبات المناطة بالمجلس»، مكرراً دعوته جميع الأفرقاء إلى التلاقي والتشاور والتفاهم، لأن التشاور وحده كفيل بعدم إقصاء أحد، وبإنهاء هذه المراوحة المتحكمة بالملف الرئاسي.
وأضاف الخازن: «أكد الرئيس بري أنه متى لاحت بارقة الأمل لن يتوانى عن تجاوز كل العوائق التي تحول دون ذلك، لأنه مصمم في أي وقت ولحظة لعقد الجلسة، وإذا تم التوافق المذكور، فلا بد وأن يلقى من المراجع الدولية والإقليمية كل الدعم المطلوب، وإلا كنا مثل من يستدرج العروض على يد الخارج لإلزامنا بخيار بعيد عن المواصفات اللبنانية لاختيار الرئيس المقبل». ونقل الخازن عن بري دعمه الكامل وتقديره لحراك سفراء المجموعة الخماسية، وتشجيعه كتلة «الاعتدال الوطني»، وكل الخيرين في البلد للمضي في جهودهم الحميدة، عسى أن تثمر كل هذه المساعي خيراً للبلاد.