العام المقبل سيكون عام دور الحزب في لعب وساطات إيجابية في تسوية صراعات إقليمية بين دول الخليج العربي ودول الممانعة المرتبطة بإيران. وبدلاً من أن يكون الدور الوظيفي للحزب وسماحة السيّد حسن نصر الله هو تصعيد هذه الصراعات وإدارتها لمصلحة مشروع الوليّ الفقيه، سيكون دور السيّد هو بناء الجسور وحلّ المشاكل وتفكيك الصراعات.
ليس غريباً أن نرى سماحة السيد ضيفاً علنيّاً في عواصم عربية ما كنّا نتخيّل يوماً ما أن يحلّ فيها. تعالوا نناقش هذه المسألة.
أکثر ما يقلق سماحة السيد أن يتمّ نزع صفة اللبنانية أو العروبة أو الإسلام في مواجهة الاتّهام بالتعاطف الإيراني الفارسي والانحياز الشيعي المذهبي.
معضلة الحزب أنّه سعی بكلّ قواه إلى خدمة مشروع ولاية الفقيه في المنطقة دون أن يخسر جمهوره، الذي ينتمي تاريخياً وقوميّاً إلى العروبة ومذهبيّاً للشيعة.
من هنا كانت أهمّية فكرة المقاومة ضدّ إسرائيل، وتسمية أقوى جناح في الحرس الثوري الإيراني بفيلق القدس، وهو القطاع الذي تولّى قاسم سليماني قيادته حتى يوم اغتياله.
ما هي أهمّيّة الحزب وأمينه العامّ؟
هنا يبرز السؤال الكبير: ما هي أهميّة السيد نصر الله والحزب الذي يقوده الآن وفي المستقبل القريب؟
هناك 4 عوامل قوّة لإيران والسيّد والحزب لا يمكن تجاهلها:
1- إيران قوّة إقليمية، عضوة في “أوبك بلاس”، ثاني دولة في العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي، وواحدة من الدول التي تقترب من التخصيب النووي، وصاحبة صناعات عسكرية متقدّمة إلى حدّ أنّها باتت المصدر الرئيس الحالي للمسيّرات الذكية القاذفة للجيش الروسي. هي ثاني أكبر دولة في الشرق الأوسط بعد مصر بإجمالي 85 مليون نسمة، وثاني أكبر دولة في المنطقة بعد السعودية من ناحية المساحة، وتحقّق معدّل نموّ سنويّ بين 5.5% و6.5%.
2- طهران عاصمة إقليمية لديها قوّة تأثير وسيطرة مذهبية واقتصادية وأمنيّة وعسكرية على صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق وغزّة. وهو ما يمنحها قدرة على تسخين أو تهدئة الصراع الإقليمي في المنطقة.
3- الحزب قدر منذ 1998 علی أن يكون الرقم الصعب المؤثّر فى المعادلة اللبنانية. يمسك بكلّ مفاصل الدولة. وهو قادر على عقد أيّ تسوية سياسية أو تعطيل وتجميد أيّ خيارات إن أراد أو شاءت مصالحه. للعب هذا الدور، تنامت علاقة شخصيّة بين السيّد وقاسم سليماني إلى حد أنّه ظلّ يقول لزوّاره: “لو خيّرني ملك الموت بين أن يقبض روحي أو يقبض روح الحاجّ قاسم لاخترت فوراً أن يقبض روحي”.
4- بناء على التمدّد الإيراني في المنطقة منذ 12 عاماً، كان الحزب هو القوّة القائدة والمؤثّرة في عمليات التمدّد عبر الأدوار التالية :
الدعم المذهبي والتسويق الإعلامي السياسي لقوى “الممانعة”.
التسليح والتدريب والصيانة وإدارة المعارك لهذه القوى كما ظهر بقوّة في الحرب الأهلية السوريّة وحرب الحوثي في اليمن.
رفع كفاءة قوّة تسليح الحزب ورفع كفاءة قوات النخبة “الرضوان” كما ظهر في قتالهم في سوريا في حرب الحدود والجرود مع “داعش”.
يبلغ عدد المنتسبين للحزب 120 ألفاً، وصواريخه 150 ألفاً، ومنها صواريخ إيرانية وكورية الصنع وأخرى جديدة غربية مشتراة من السوق السوداء الأوكرانية حيث تباع الأسلحة الممنوحة لكييف من الناتو. وتشير التقارير الاستخبارية إلى أنّ لدى الحزب ما لا يقلّ عن 15 ألف صاروخ جديد من الأنواع الذكية الدقيقة الإصابة.
تقول المصادر عينها إنّ هناك مخزوناً من الأسلحة الكيمياوية التي كان يستخدمها جيش النظام السوري موجود في مخازن متعدّدة للحزب في سوريا ولبنان.
تضاف إلى ذلك كلّه قوّة الحزب المالية من خلال الدعم المباشر الذي يأتي من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، وأجهزة التسليح التابعة للحرس الثوري الإيراني.
يتردّد أنّ حجم استثمارات الحزب داخل وخارج لبنان تراوح بين 10 مليارات و20 مليار دولار أميركي، وأنّ هذه الاستثمارات تنتشر في إفريقيا وأميركا اللاتينية، وتحديداً في فنزويلا التي ترتبط بعلاقات خاصة مع الحزب.
قوّة نصر الله
كلّ ما سبق هي عناصر موضوعية لقوّة ومكانة الحزب، لكنّها تزداد أهمّية إذا تمّت إضافتها إلى العنصر الأقوى في هذه المعادلة، وهو قوّة ومكانة الأمين العام للحزب الشخصية إيرانياً وإقليمياً وسوريّاً ولبنانيّاً.
هناك دائماً دائرة ضوء إيرانية من مركز صناعة القرار في طهران على شخص وفكر وسلوك سماحة السيّد حسن نصر الله الذي أصبح في 16 شباط 1992 ثالث أمين عامّ للحزب، على الرغم من صغر سنّه النسبي مقارنة بأقرانه في الحزب، إذ كان له من العمر 32 عاماً عند تولّيه المنصب.
يُلاحظ أيضاً أنّ قرار تعيينه لم يستغرق أكثر من ساعات عقب خلوّ المنصب عندما اغتيل سلفه عباس الموسوي على يد إسرائيل. وقد استمرّ منذ ذلك التاريخ بشغل هذا المنصب القيادي في الحزب مخالفاً الأنظمة الداخلية التي تسمح للأمين العامّ بالبقاء في منصبه ولايتين فقط.
دخل نصر الله طهران من خلال قوّة تنسيق وتعاون ثلاثي بينه وبين قاسم سليماني وعماد مغنية.
هذا التنسيق الحديدي جعله “اللاعب الأكثر شعبية وموثوقية” في مكتب المرشد الأعلى عقب ازدياد شعبية نصر الله كرجل مقاومة في العام 2006، وعقب نجاحه مع سليماني ومضيّه في إرغام إسرائيل على الانسحاب من الجنوب، وهو ما عزّز مكانته لبنانياً وإيرانياً.
توثّقت علاقة نصر الله بقاسم سليماني إلى حدّ أنّ الأخير غامر بحياته وسلامته كي يدخل الضاحية الجنوبية عبر الحدود اللبنانية أثناء العمليات الإسرائيلية ويرافق نصر الله في مكتبه تحت الأرض.
كانت العلاقة بين نصر الله وسليماني تلقي بظلالها الإيجابية لدى المرشد الأعلى خامنئي الذي كان يثق ثقة شبه عمياء بشخص وتقديرات “الحاجّ قاسم”، وكان يعدّ له دوراً سياسياً مستقبلياً رفيعاً في تركيبة الحكم الإيرانية.