يحاول البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن يُمسك العصا من الوسط في تعاطيه مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، حيث يحرص على مراعاة الطرفين لابقائهما مع جمهورهما تحت مظلة بكركي.
ينتج عن هذا السلوك كثيرا من التناقضات، سواء في تعاطي بكركي مع التيار والقوات أو في تعاطي كل من الطرفين معها، أو في تعاطيهما مع بعضهما البعض.
لم يمض وقت طويل على رفض البطريرك الماروني الحوار خلال إستقباله سفراء الخماسية حيث أكد أنه “ضد إدخال أعراف جديدة في الاستحقاق الرئاسي”، مؤكدا أن “بوابة العبور اليه هي الالتزام بالدستور اللبناني”.
كما لم يمض وقت طويل على رفض رئيس القوات سمير جعجع الحوار مع رئيس التيار جبران باسيل، ووضعه شروطا عالية السقف لذلك.
وكذلك لم تنس القوات الاتهامات التي ساقها باسيل ضدها والتي بلغت حد التخوين، قبل أن يطلب منها الركون الى الحوار معه.
بالتزامن، رعى البطريرك الراعي حوارا بين القوى المسيحية مناقضا كلامه مع الخماسية، وشاركت فيه القوات التي سبق ورفض رئيسها الحوار مع باسيل الذي أوفد أيضا ممثلا عنه متجاوزا إتهاماته للقوات، الى جانب حضور ممثل عن الكتائب وحركة التجدد، وذلك، تمهيدا لإعداد وثيقة تبدأ بحسب المطران أنطوان بو نجم مسيحية، ثم تعمم على سائر الأطراف للتوافق عليها لتتحول الى وثيقة وطنية يمكن البناء عليها لحل العديد من الأزمات.
بات واضحا أن المشاركين في إعداد وثيقة بكركي، “كل منهم يغني على ليلاه”، ويحاول إقرار البنود التي تخدم توجهاته وتطلعاته.
تسعى القوات الى أن يكون لديها حصة في الاستحقاق الرئاسي عبر تهيئة الظروف التي قد تصب في مصلحة رئيسها أو من يسميه، كما تهدف الى إستهداف حزب الله وتأمين إجماع مسيحي على ضرورة تسليم سلاحه الى الدولة، أما سائر البنود التي المطروحة في الوثيقة هي مجرد “كليشيهات” تحجز مكانا لها في كل الوثائق والبيانات التي تصدر في هكذا مناسبات.
من جهته، يستخدم التيار الوطني الحر وثيقة بكركي كوسيلة ضغط على حزب الله في زمن الحرب للسير في ترشيح رئيسه جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية، ومن أجل ذلك، يسعى الى تعطيل مساعي القوات في تسليم السلاح الى الدولة، وإحالة الأمر الى الاستراتيجية الدفاعية كبادرة حسن نية تجاه الحزب، فضلا عن إستهدافه الحكومة ورئيسها، ومحاولة الحفاظ على المكتسبات التي حققها التيار في عهد الرئيس السابق ميشال عون على صعيد المناصب والمراكز والتوظيفات والتي يرفع باسيل السقف حيالها بالحديث عن الاقصاء وضرب الشراكة الوطنية، وطرح اللامركزية المالية الموسعة.
واللافت، أن ما يطرحه الفريقان المسيحيان يتناقض كليا مع توجهات بكركي التي تريد أن تعمم هذه الوثيقة على سائر الأطراف لنقاشها والتوافق عليها ليصار الى تقديمها بصيغة وطنية بعيدا عن الفئوية، فكيف يمكن أن يقبل أي طرف في لبنان بوثيقة تستهدفه أو تحاول النيل منه وإضعافه؟، وكيف يمكن لأي تيار أو حزب أن يقبل بإسقاط بنود الوثيقة عليه من دون أن يكون مشاركا في إعدادها؟.
هذا الواقع يؤكد أن اللقاءات بين الأحزاب المسيحية في بكركي باستثناء تيار المرده الذي لم يتجاوب بالمشاركة، لن تصل الى أي نتيجة إيجابية، وذلك، بفعل الانقسام العمودي، وإفتقار كل البنود المطروحة الى خطط واضحة تجعلها قابلة للتنفيذ.
في غضون ذلك، تقول مصادر سياسية مواكبة أنه بدل هذا الجهد الذي يذهب هباء بين وضع مسودة الوثيقة وتعديلها وإضافة بنود وشطب أخرى كل بحسب مصلحته، لماذا لا تختصر القوى المسيحية المجتمعة تحت سقف بكركي الطريق، وتتوافق على مرشح رئاسي تتبنى برنامجه وتذهب به الى مجلس النواب لممارسة العملية الديمقراطية، بدل إضاعة الوقت في لقاءات غير مجدية، وبدل تعليق الفشل المستمر على “شماعة” التقاطع على الوزير السابق جهاد أزعور.