ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رتبة سجدة الصليب على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة”، عاونه فيها المطارنة سمير مظلوم وبولس الصياح وحنا علوان وانطوان عوكر، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان- حريصا الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، رئيس “لقاء الهوية والسيادة” الوزير السابق يوسف سلامة وحشد من الفعاليات والمؤمنين
بعد الأناجيل المقدسة الخمسة ألقى الراعي عظة بعنوان “نسجد لك أيّها المسيح ونباركك لأنّك بصليبك المقّدس خلّصت العالم”. وقال: “نحتفل اليوم بسرّ موت ربّنا يسوع المسيح، إبن الله، لفدائنا وفداء الجنس البشريّ من خطايانا على مرّ الأزمنة حتى نهايتها. هكذا حوّل إلى ذبيحة فداء جريمة قتله، وهي أفظع جريمة في تاريخ البشريّة إذ الإنسان فردًا وجماعات قتل الله الإبن يسوع المسيح: اليهود شعب الله بالحقد والحسد والبغض والرفض، والرومان الوثنيّون المحتلّون بالمساومة والخوف من هيجان الشعب والهروب من الحقيقة والعدالة. أمّا خشبة الصليب، في الأصل أداة تحقير المجرمين وقتلهم، فحوّلها الإله المصلوب إلى أداة خلاص للعالم، وانتصارٍ للمؤمنين أمضى من أي وسيلة أخرى، ونهجِ حبٍّ لكلّ مؤمن ومؤمنة”.
أضاف: “في بداية رسالته العامّة، أعلن يسوع المعلّم دستور الحياة المسيحيّة، المعروف بإنجيل التطويبات (متى 5: 1-11)، بثماني كلمات هي فضائل منقسمة إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تمثّل الحالة الشخصيّة الدائمة وفيها أربع فضائل: الفقر الروحيّ-التواضع-نقاوة القلب-العزاء في الحزن. الفئة الثانية تمثّل الإلتزام بفضيلتين: صنع السلام وصنع الخير. الفئة الثالثة تمثّل ردّة الفعل الدائمة بفضيلتين: الصمود بوجه الإضطهاد من أجل الخير، والثبات بوجه التعيير والإفتراء والكذب من أجل المسيح. هذه الفضائل الإنسانيّة الثمانية تشكّل الشخصيّة المسيحيّة الحقّة. فيتعيّن على كلّ شخص بشريّ أن يتحلّى بها، وبواسطتها يعمل على بناء مجتمع أفضل”.
تابع الراعي: “اليوم يسوع المعلّم نفسه المعلّق على الصليب وكأنّه عرشه، يستكمل دستور الحياة المسيحيّة بثماني كلمات إضافيّة، جعلها نهجًا لنا عاشه هو قبلنا. ثلاث منها قالها قبل وقوع الظلام على الأرض كلّها الذي دام ثلاث ساعات من الظهر حتى الساعة الثالثة (راجع متى 27: 45)، وواحدة عند حلول الظلام، وثلاث كلمات بعده، والكلمة الثامنة والأخيرة من صمت موته. الكلمات قبل حلول الظلام “1. يا أبتِ إغفر لهم …” (لو 23: 34). قالها عندما كان الصالبون يغرزون المسامير ويستهزؤون به. إنّها بطولة معاملة الشرّ بالخير والصلاة. الغفران أقوى وأفعل من السلاح، لأنّه يضع حدًّا للشرّ، فيما السلاح يستولده. 2. اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23: 43). قالها يسوع للمجرم المصلوب عن يمينه عندما عبّر عن توبته. والتوبة بطولة أيضًا لأنّها إقرار بالخطايا والزلّات والنواقص بدافع من التواضع. فالمتكبّر لا يقرّ بخطاياه، والحاقد لا يستطيع أن يغفر ويسامح. بهاتين الكلمتين الأوّليين، علّمنا يسوع بطولتين: الإستغفار والغفران. 3. “يا امرأة، هذا ابنكِ، ويا يوحنّا هذه أمّك” (يو19: 26-27). قالها يسوع في غمرة الألم والدموع لرؤيته على أقدام الصليب الأحبّين: أمّه ويوحنّا الحبيب وهما مثله مكسوران بالألم والدموع، فحوّل كلّ هذه الآلام إلى “أوجاع مخاض”. فجعل أمّه أمّ البشريّة جمعاء، وجعل كلّ إنسان، بشخص يوحنّا، إبنًا لمريم. إنّها الأمومة الجديدة: في فرح البشارة أصبحت مريم عذراء الناصرة أمًّا ليسوع التاريخيّ، وفي آلام الصليب أصبحت أمّ المسيح الكلّي أي الكنيسة، المتمثّلة فيها البشريّة حتى نهاية الأزمنة. 4. “إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ (متى 27: 46) قالها عندما غطّت الظلمة الأرض كلّها؛ فشعر يسوع الإنسان الضعيف بالعزلة الكاملة، متروكًا من الله والناس. ومع هذه الصرخة واصل صلاته بنداء إستغاثة وبإيمان منه بأنّ المستغيث بالله لا يُردّ خائبًا. كم من النفوس تصلّي مثله في ساعات الوجع والنزاع!”