انعكست الحرب على غزة وفي الجنوب على قضايا سياسية عدّة في لبنان، وعلى رأسها أزمة رئاسة الجمهورية، وملف سلاح الحزب الذي يتفرد بقرار الحرب والسلم كما في المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار بشكل مباشر، وغير مباشر.
وإذا كانت الخلافات والانقسامات الداخلية قد حالت دون قدرة الأفرقاء اللبنانيين على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وامتد الفراغ لسنة كاملة بعد انتهاء ولاية ميشال عون في تشرين الأول 2022، فقد أتت الحرب لتخلط الأوراق، وتعيد الملف إلى نقطة الصفر رغم كل المحاولات والجهود التي تبذل على هذا الخط داخلياً، وخارجياً. وترافق هذا الأمر مع عودة سلاح «حزب الله» إلى الواجهة مجدداً، وارتفاع الأصوات المطالبة بتطبيق القرارات الدولية بما فيها نزعه، وأن تكون هذه الحرب محطة مفصلية لحسم هذه القضية، وهو ما يواجهه مسؤولو الحزب بتخوين المطالبين بها، واتهامهم بالدفع نحو الحرب الأهلية.
ويبدو واضحاً أن الاستحقاق الرئاسي بات مرتبطاً بنتائج الحرب رغم نفي «حزب الله» وحلفائه هذا الأمر، وهو ما تؤكده مصادر عدّة عملت على خط المبادرات والجهود التي بذلت من قبل أكثر من جهة داخلية، وخارجية، بحيث يبدو الجميع مترقباً لما ستؤول إليه الحرب، ليبنى على الشيء مقتضاه في الداخل اللبناني، علما بأن «حزب الله» لا يزال يربط جبهة الجنوب بجبهة غزة، ويؤكد مسؤولوه أنه لا وقف لإطلاق النار في لبنان قبل وقفها في غزة.
وبانتظار ما ستنتهي إليه الأمور، يبدي البعض خشيتهم من استثمار «حزب الله» للحرب، وهو ما أعلنه صراحة عدد من الأفرقاء السياسيين، محذرين من غياب لبنان الرسمي عن الاتصالات والمفاوضات التي تحصل للوصول إلى حل بين «حزب الله» وإسرائيل، لا سيما أن المفاوضات التي تحصل، وأن يشارك فيها مسؤولون لبنانيون، لكن يبقى القرار النهائي بشأنها لـ«حزب الله».
وفي هذا الإطار، يرى عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية» غياث يزبك أن «تأثير (حزب الله) على الرئاسة يسبق الحرب على غزة لجهة سيطرته بسطوة السلاح على عرقلة عمل المؤسسات»، معتبرا أن الحرب أتت لتثقل لعبة «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) بشكل أكبر، و«هو حاول ويحاول استغلالها كي تؤثر على الحياة الدستورية، وتحديداً على الاستحقاق الرئاسي».
من هنا يقول يزبك لـ«الشرق الأوسط»: «يسعى (حزب الله) لاستغلال الحرب بشكل واضح في حالتي الخسارة والربح، حيث يعمل على إسقاطات أساسية يريدها من الحرب بغض النظر عن نتائجها، وهي أنه سيتشدد أكثر بأن يأتي برئيس مطواع بين يديه يكمل مسيرة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون لتحقيق مكاسب في الداخل. بحيث إنه إذا خسر الحرب سيعمل أكثر للتمسك بآخر طوق نجاة له في لبنان للحفاظ على وجوده، وهو الذي يقول إنه يريد رئيساً يحمي المقاومة، ولا يطعنها بظهرها».
ومع تمسك المعارضة بهذا المطلب، يقول يزبك «نسعى بأن يعود (حزب الله) إلى رشده ويكون حركة سياسية مثله مثل كل الأحزاب اللبنانية، بعيداً عن أي محاولة لإقصاء أي فصيل لبناني، ولا نقبل بأن يعاني غيرنا ما عانينا نحن منه، لكن إذا لم يحصل ذلك، وبقي الوضع على ما كان عليه قبل حرب غزة، فسنكون نحن وكل المكونات السيادية من مختلف الطوائف في مواجهة ديمقراطية».
وفي رد على سؤال عن طبيعة هذه المواجهة إذا لم تنفّذ هذه المطالب وبقي وضع «حزب الله» على ما هو عليه، يقول يزبك «فلنذهب عندها إلى صيغة أخرى تعطي خصوصية لكل فئة لبنانية وحقّها في العيش كما تشاء، إن عبر اللامركزية الموسعة، أو الفيدرالية الاتحادية، وغيرها»، مؤكداً في الوقت عينه «نحن سنبقى أوفياء لهذه الرسالة التي وجد لبنان على أساسها في نظام جمهوري برلماني بحيث إننا لن نقبل بأي نظام آخر يحاولون فرضه علينا».