الجمعة الفائت تحدّث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مطلقاً عبارة مدوية «مرحبا بالحرب»، في معرض تأكيد جهوز الحزب لها. غير مألوفة بالصيغة التي اطلقها كما لو انه يريد الذهاب اليها. ما لم يقله قبلاً متمسكاً برفض استدراجه اليها. قد تكون حتمتها مشاعر الغضب على اثر قصف اسرائيل القنصلية الايرانية في دمشق. الاحد تحدّث البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في رد مباشر يدل على المقصود دونما ان يسمي، مطلقاً بدوره عبارة مدوّية ان الحرب «ليست بقرار شخص او فئة او حزب من المواطنين». مَن تواصل مع بكركي يومذاك سأل عن مغزى حدّة نبرة البطريرك، فكان الجواب أن امتعاضه مما سمعه من نصرالله قاده الى ان يختم العظة بما قال. رفع بذلك الاشتباك السياسي الى مرتبة قصوى حيال اتهامه المساق الى حزب الله انه يقود اللبنانيين والدولة اللبنانية الى حيث لا يريدون.البارحة، في صحيفة «الشرق الاوسط»، حاول الرئيس نبيه برّي فك الاشتباك بين نصرالله والراعي، بجزمه «اننا لن ننجرّ الى حرب مفتوحة مع اسرائيل، وسنبقى نمارس ضبط النفس واستيعاب العدوان». ما فُهِم من كلام رئيس المجلس ان الامين العام لحزب الله كان يتوجه بخطاب تعبئة الى انصاره وشد التفافهم من حول خيار المقاومة اكثر منه تهديده وتلويحه بالحرب. في اطلالته امس، لم يأتِ نصرالله – او يكمل – ما عناه الجمعة.
ad
بَانَ كأن السجال توقف عند هذا الحد، خصوصاً بعد عبارة التطمين لرئيس البرلمان. على ان المشكلة الجديدة الناشئة، مع المواقف المتصاعدة تدريجاً للبطريرك، تشي بانتقال السجال من حول تداعيات حرب غزة على جنوب لبنان والمخاوف من انتقال الحرب برمتها اليه، الى المراجع الدينية. كلاهما، الراعي ونصرالله، مرجعيتان دينيتان وسياسيتان في آن: الاول قائد طائفته علّمته تجارب التاريخ الطويل للموارنة ان يكون قائداً سياسياً في حقب عدة، والثاني قائد معمّم لحزب يتداخل الديني فيه بالعقائدي والسياسي والجهادي ما يحيله متقدّماً على المراجع الدينية الفعلية في لبنان. في الاسابيع الاخيرة غدا معلوماً ان الجدال يدور من حول المرجعيتين هاتين، وكلٌ منهما تظلل حلفاءها من القوى السياسية المنقسمين على ملفات شتى معقدة ليس اولها انتخاب رئيس للجمهورية، ولن يكون آخرها حتماً الموقف من حرب غزة.
مع ان الكلام الاخير للبطريرك الماروني ليس ابن ساعته، وكان تقطّع ادلاؤه به مرة بعد اخرى على مر الاشهر الستة المنصرمة في حرب غزة مذ اضحى الجنوب جزءاً لا يتجزأ منها، الا ان لتوقيته الاخير مدلولاً مختلفاً، خصوصاً بعدما كشف اجتماع 21 آذار المنصرم عن مبادرة بكركي جمع الافرقاء المسيحيين، المتحالفين والمتناحرين، من حول ورقة عمل لخيارات سياسية موحدة. ما انتهى اليه الاجتماع ذاك، ان رام تجاوز النطاق الماروني الى المسيحي العام توطئة للذهاب الى حوار مع الشريك الآخر لا سيما الثنائي الشيعي، وتالياً اعادة النظر في الورقة المرفوعة الى الاحزاب والقوى المشاركة. الواقع ان الثنائي الشيعي يكاد يكون المعني الوحيد بالتصوّر المسيحي المراد مناقشته، تحديداً في المسألتين اللتين ينقسم من حولها اي حوار مسيحي – شيعي: قرار الحرب والسلم وانتخاب رئيس للجمهورية.
Ads by Ad.Plus
بعد الاجتماع المسيحي العلني الاول، قيل ان آخر سيليه بعد عطلة الاعياد، الى النصف الثاني من الشهر الجاري، يفترض في الاثناء هذه ان تدخل تعديلات على ورقة العمل. بيد ان السجال المباشر اخيراً بين الراعي ونصرالله، وتالياً السقف العالي لمواقفهما المدلاة اقرب ما تكون الى شروط مسبقة، يدفعان نحو مزيد من المبررات لتعذّر اجراء حوار من حول الورقة المسيحية. في الوقت نفسه يصعب الذهاب الى اي خيارات بديلة في ظل مانعيْن اثنين اضحيا اخيراً لبّ مأزق اي حوار مسيحي – شيعي محتمل:
اولهما، مضي حزب الله في قراره الاستمرار في فتح جبهة الجنوب وإشغال اسرائيل في حربها مع غزة الى ان يتوقف اطلاق النار نهائياً هناك، ولن يسع اي احد، لا الحكومة اللبنانية ولا الافرقاء الآخرون المعارضون، الوقوف في طريق هذا القرار.
ثانيهما، ابقاء انتخاب رئيس الجمهورية مؤجلاً الى امد غير محدود لسببين مباشرين على الاقل، انتظار مآل حرب غزة وانعكاس التسوية على جنوب لبنان وتالياً مصير القرار 1701، وتمسكه بحوار داخلي يسبق انتخاب رئيس للجمهورية مع اصراره على ترشيحه كثنائي شيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه.
في ما يدور بين الاحزاب المشاركة في الاجتماع المسيحي، في انتظار لقائها المقبل، انها قادرة على ممارسة ضغوط على حزب الله في وجهة انتخاب رئيس للجمهورية، اكثر منها حيال سلاحه المتداخل مع معضلة تفرّده بقراريْ الحرب والسلم. في الاجتماع الاخير، بازاء تباين واضح بين التيار الوطني الحر والمشاركين الآخرين لاسيما حزبي الكتائب والقوات اللبنانية حيال بند سلاح حزب الله وسبل بت مصيره، تقاطع الفريقان المتنافران على موقفيْ رفض التورط في حرب غزة والاصرار على الذهاب الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية. على ان الموقف الاخير للبطريرك ربما فُسِّر على انه قفز من فوق الورقة المسيحية المزمع طرحها للحوار كي يضع سقفاً مختلفاً للتفاوض.