أعاد الردّ العسكري الإيراني على الكيان الإسرائيلي ترسيم توازنات الإقليم ومعادلاته وفق معايير جديدة، الى درجة انّه بات يصح الاستنتاج بأنّ ما بعد الردّ ليس كما قبله.. فأين «حزب الله» مما حصل في ليلة المسيّرات والصواريخ؟
تصرّفت طهران منذ اللحظة الأولى لاستهداف قنصليتها في دمشق، على أساس انّ ما جرى يتطلب رداً مباشراً من جانبها فقط، لضمان وصول «الرسالة» بالوضوح التام الذي لا يتحمّل التأويل، خصوصاً انّ القنصلية تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الاراضي والسيادة الإيرانيتين، وبالتالي فإنّ اي هجوم انتقامي عبر الحلفاء كان سيفقد الكثير من وزنه الاستراتيجي، وسينعكس سلباً على مكانة إيران وقوتها الردعية، والأخطر انّه سيشجع تل أبيب على تكرار تجاوز الخطوط الحمراء.
أما «حزب الله»، فقد أصدر عقب الضربة الإيرانية، بياناً أشاد فيه بـ«القرار الشجاع والحكيم بالردّ الحازم على العدوان الصهيوني على القنصلية الإيرانية»، مؤكّداً انّ «الجمهورية الإسلامية نفّذت وعدها الصادق بشجاعة منقطعة النظير وحكمةٍ كبيرةٍ وتقدير رفيع للموقف على مستوى المنطقة برمتها بل وعلى مستوى العالم.» واعتبر انّ العملية حققت أهدافها العسكرية المحدّدة بدقة، وأنّ الأهداف السياسية والإستراتيجية بعيدة المدى لهذا التطور الكبير ستظهر تباعاً مع الوقت وستؤسس لمرحلة جديدة.
هذا على مستوى الموقف السياسي المبدئي لـ«الحزب» الذي كان أمينه العام السيد حسن نصرالله اول من أكّد حتمية ردّ طهران على الاعتداء الذي استهدف قنصليتها. أما على المستوى «الإجرائي» فإنّ الحزب كان يواكب مجريات الضربة الإيرانية ومراحلها، دقيقة بدقيقة، متحسباً في الوقت نفسه لكل الاحتمالات والتداعيات التي قد تتأتى من اي تهور إسرائيلي في التعامل مع تلك الضربة.
وخلافاً لما كان يُتهم به الحزب من قبل خصومه بأنّه يقاتل نيابة عن إيران وبأنّه حوّل الجنوب حدوداً لها مع فلسطين المحتلة لتحسين موقعها التفاوضي في المنطقة.. لم تنخرط جبهة الجنوب في عملية الردّ الإيراني، بل حافظت على وظيفتها الأصلية المتصلة بإسناد غزة والردّ على الاعتداءات التي تستهدف الاراضي اللبنانية.
وتؤكّد الأوساط القريبة من الحزب، انّه لم يشارك بأي شكل في الهجوم العسكري الذي تقصّدت طهران أن يكون إيرانياً صافياً ومذيلاً حصراً بتوقيعها، من دون أي تدخّل او مساهمة من حلفائها في محور المقاومة.
وتوضح الاوساط، انّ العمليات القتالية التي نفّذتها المقاومة عبر الجبهة اللبنانية بالترافق مع الردّ الإيراني لم تكن لها علاقة به، ولو انّها تزامنت معه، لافتةً إلى انّ هذه العمليات التي تضمنت قصفاً صاروخياً لعدد من المواقع الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، انما اتت رداً على اعتداءات العدو الاسرائيلي ضدّ لبنان، وبالتالي هي تندرج ضمن إطار المواجهة المستمرة بين الحزب والاحتلال منذ الثامن من تشرين الاول.
لا يعني ذلك أنّ الحزب اكتفى بالتفرّج على الهجوم الإيراني، بل هو كان مستعداً لمواجهة أسوأ الفرضيات في المرحلة الثانية، وصولاً الى جهوزيته للتعامل مع سيناريو التدحرج الى المواجهة الشاملة في حال جنح ردّ الفعل الاسرائيلي في اتجاهات غير مدروسة، ستستدعي بدورها رداً أقسى من طهران، علماً انّ هناك من يؤكّد انّ منسوب خطر التدحرج آخذ في الانخفاض بعد الضربة الإيرانية ونمط التعاطي الاسرائيلي معها حتى الآن، الّا إذا أصيب بنيامين نتنياهو مجدداً بـ«نوبة تهور» جديدة تعيد رفع أسهم الحرب الواسعة التي لا يريدها الإيرانيون و«حزب الله» والاميركيون.
والى حين ان تتضح معالم السلوك الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، تشدّد الاوساط القريبة من «حزب الله» على أنّ أهمية الردّ الإيراني تكمن في دلالاته الاستراتيجية اكثر منها في نتائجه المادية، مشيرة الى انّ مبدأ تنفيذ الهجوم هو الإنجاز الأساسي بمعزل عن حصيلته الميدانية، كونه يعكس انتقال طهران الى طور جديد في الصراع مع الكيان الاسرائيلي، «ومن وجّه الضربة الأولى بات يستطيع أن يوجّه ضربات أخرى كلما استدعت الضرورة ذلك. وباختصار، لم تعد يد تل أبيب «طايلة» كما كانت قبلاً، وأي تجاوز من قبلها لقواعد الاشتباك بات يرتب عليها كلفة».