ثلاث زيارات غربية غير حاسمة ورابعة مؤجّلة تظلّل تطوّرات الأيام المقبلة. باريس تستعجل حلّاً أمنيّاً يجنّب لبنان برمّته حرباً شاملة ويبقي باريس ناشطة إقليمياً، وواشنطن لن تحسم وجهة الحلّ قبل حسم مصير رفح وخفض سقف التهويل الإسرائيلي بحربٍ وشيكة على لبنان وفصل الساحات بين غزة وبيروت. أمّا يوم “النزوح” الأوروبي الخميس إلى السراي فلن يترافق إلا مع مزيد من الضغط الدولي لاستمرار لبنان في تحمّل تبعات القنبلة البشرية السوريّة النازحة مع “رشّة” إغراءات ماليّة ستحملها رئيسة المفوضية الأوروبية.
لن تترافق زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبيروت مع زيارة مماثلة للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين في التوقيت نفسه بُعيد لقاءاته في تل أبيب على الرغم من إعلان سيجورنيه أمس تقديمه مقترحات للمسؤولين اللبنانيين بهدف تهدئة التوتّر بين الحزب وإسرائيل ومنع نشوب حرب.
المقصود بذلك تقديمه تعديلات على الورقة الفرنسية السابقة التي لم تحظَ بموافقة أميركية ولا لبنانية ولا من جانب الحزب، خصوصاً في شقّها المتعلّق بالترابط الزمني لوقف الحرب بين غزة والجنوب وبقعة الانسحاب أو إعادة الانتشار لمقاتلي الحزب.
لكنّ موقف الرئيس نبيه بري بُعيد استقباله سيجورنيه حسم عدم حمل الأخير اقتراحاً مكتوباً حول التعديلات، حيث أشار برّي إلى “انتظار لبنان تسلّم الاقتراح الفرنسي الرامي إلى خفض التصعيد ووقف القتال وتطبيق القرار 1701 تمهيداً لدراسته والردّ عليه”.
سبق للأمين العامّ للحزب أن وصف الورقة الفرنسية السابقة بـ “الإسرائيلية”، فيما سُجّل أمس مزيد من الضغط الأميركي والمصري على كلّ من إسرائيل و”حماس” للتوصّل إلى اتفاق يوقف قرار اجتياح رفح ويؤسّس لبدء الهدنة الشاملة، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على جبهة الجنوب ووضعية الحزب القتالية.
بالتزامن يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن غداً إلى المنطقة زائراً السعودية وإسرائيل في محاولة للتأسيس على ترتيبات ما بعد 7 تشرين، أي أبعد من مطلب وقف إطلاق نار وإطلاق الأسرى الاسرائيليين، من أجل إحلال الهدنة الدائمة كمدخل لاستعادة الاستقرار وتقرير مصير غزة و”حماس” ما بعد الحرب.
تؤكّد المصادر أنّ هناك تحضيرات قائمة لعقد مؤتمر دعم الجيش المؤجّل، في فرنسا على الأرجح
بين سيجورنيه والحزب
كما سبقت زيارة سيجورنيه تأكيدات من جانب الحزب عبّر عنها نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أنّ “المبادرات المُتداولة غير قابلة للحياة إذا لم يكن أساسها وقف إطلاق النار في غزة”.
اللافت أنّ سيجورنيه الذي تفقّد أمس في الناقورة قوات بلاده العاملة في “اليونيفيل” تحدّث عن “حرب حقيقية في جنوب لبنان بالنظر إلى الضربات وتأثيرها على المنطقة”. فيما كان لافتاً عدم لجوء إسرائيل إلى هدنة طوعية خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجنوب، حيث استهدفت بغارة جوّية أمس بلدة عيتا الشعب بعد مغادرة الزائر الفرنسي لمنطقة “النزاع”، كما أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية ليل السبت الأحد على أطراف بلدات مارون الراس وطيرحرفا والضهيرة.
إغراءات أوروبيّة لتثبيت النازحين!
أمّا زيارتا الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين الخميس المقبل فتعكسان قلقاً دولياً متنامياً لا يأخذ بالاعتبار الكابوس اللبناني من تجاوز ملفّ النازحين السوريين كلّ الخطوط الحمر.
الدليل على ذلك تولّي الرئيس القبرصي مهمّة التأكّد من منع تدفّق اللاجئين السوريين إلى الجزيرة من لبنان أو مباشرة من سوريا، من خلال تفاهمات منقّحة مع الحكومة اللبنانية، خصوصاً في ظلّ إعلان خريستودوليديس وصول أكثر من أربعة آلاف مهاجر سوري إلى قبرص، مقارنة بـ 78 فقط خلال الربع الأول من العام الماضي.
الوجه الآخر لإدارة الأزمة سيُترجم من خلال إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية رزمة مساعدات ماليّة للحكومة والقوى العسكرية، خصوصاً الجيش، ستكرّس “الحضانة الدولية” لبقاء النازحين السوريين في لبنان من خلال تمكين الحكومة من “القيام بالواجب” حيالهم وليس ابتداع المخارج لترحيلهم إلى المناطق الآمنة.
نداء استغاثة
وفق المعلومات تأتي زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية في سياق نداء الاستغاثة الذي أطلقه الرئيس القبرصي من أجل تدخّل سريع من قبل “المفوضية” على قاعدة “رفض تقديم الاتحاد الأوروبي المساعدات المالية بالمليارات للدولة اللبنانية وعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين من دون التزام الحكومة والقوى العسكرية بالمتوجّب عليهما، سيما أنّ دول الاتحاد الأوروبي شركاء في تحمّل تبعات أزمة اللجوء”.
أورسولا فون دير لاين تعرّضت قبل أشهر لانتقادات جرّاء موقفها من حرب غزة وتشجيعها لنظام الفصل العنصري وعدم وقف إطلاق النار
يُذكر أنّ أورسولا فون دير لاين تعرّضت قبل أشهر لانتقادات جرّاء موقفها من حرب غزة وتشجيعها لنظام الفصل العنصري وعدم وقف إطلاق النار إلى حدّ وصفها بـ “سيّدة الإبادة الجماعية” من قبل نائبة إيرلندية. لكنّ فون دير لاين أيّدت بالمقابل فرض عقوبات على المتطرّفين من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلّة بسبب أعمالهم العنفية ضدّ الفلسطينيين.
تفهّم أوروبي أم… تجاهل؟
في المقابل، فإنّ ما يردّده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن “وجود تفهّم أوروبي لإعادة النازحين إلى بلادهم ودعم فكرة المناطق الآمنة” لم ينعكس حتى الآن على أرض الواقع.
هنا تلفت مصادر مطّلعة إلى أنّ “السياسة الأوروبية بدعم بقاء النازحين في لبنان والحثّ على عدم “تفلّت” أعداد منهم إلى دول الجوار المتوسطي لا تزال هي الثابتة. وسيتكفّل مؤتمر بروكسل لدعم النازحين المزمع عقده في 27 أيار المقبل بتأكيد هذه السياسات في ظلّ تشدّد غربي وأميركي في الإبقاء على حصار سوريا، وهو ما يكبح فرص العودة ويُعزّز حركة النزوح تجاه لبنان في مقابل العمل على الحدّ من خطره على قبرص واليونان وإيطاليا واسبانيا وتأجيل بتّ المطلب اللبناني للإعلان عن مناطق آمنة في سوريا”.
ترحيل الموقوفين والمحكومين؟
على الرغم من الجهد الحكومي والزيارة المرتقبة للّواء الياس البيسري لدمشق، تشير المصادر إلى تعثّر تسليم الموقوفين والمحكومين (أكثر من 2,500) السوريين القابعين في السجون اللبنانية إلى دمشق، وذلك في ظلّ شروط تفرضها كلّ من سوريا ودول أوروبية لعودة بعض هؤلاء.