قضاء يوم في مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة، يؤكد أنّ «النافعة» باقية على ما هي عليه: «مغارة علي بابا» التي يُذّل الناس على أبوابها. حاولت «الدولة» متأخرة، استدراك ثغرات الخطة الأمنية، ففتحت أمام المصلحة طابوراً جديداً من «طوابير الذل» التي عرفها اللبنانيون على أبواب محطات المحروقات والأفران، ما أدّى ذلك أي الحجز على المركبات والدراجات النارية «المخالفة» إلى «هجمة» على تسجيل السيارات والدراجات أو دفع رسوم الميكانيك أو تجديد رخصة القيادة… وسط فوضى عارمة.درب جلجلة التسجيل يبدأ من مدخل المصلحة. لا إشارات ولا تعليمات ترشد أصحاب المعاملات من أين يبدأون أو كيف ينجزون معاملاتهم. أما من يسأل فـ«كمن ينادي في الطاحون».
طابور أمام «النافعة» في الدكوانة
البرجولات غير المباعة في عام 2024 قد تُباع بلا مقابل تقريبًا!البرجولات
يتم تسليم الأثاث غير المباع بأسعار منخفضة بشكل مدهشالأثاث غير المباع
منذ ساعات الصباح الأولى، يصطفّ في الطابور مئات قدم بعضهم من الشمال والبقاع والجنوب، بسبب توقّف العمل في مصالح التسجيل في أكثر من منطقة، واشتراط بعض المعاملات إنجازها في المركز الرئيسي للمصلحة في الدكوانة. في الصفّ الطويل، لا أرقام تنظّم الدور ولا من يقطع الطريق أمام المشاجرات بين من حقنهم طول الانتظار، و«الشاطر من يصل أولاً».
عن اليمين يمرّ معقّبو المعاملات في مكاتب التسجيل عبر «خط عسكري»، وعن اليسار سماسرة ممن تربطهم بالموظفين «علاقة طويلة». هؤلاء تعرفهم من الملفات المكدّسة التي يحملونها، وإذا ما تجرّأ أحد على الاعتراض والسؤال عما إذا كانت «على رؤوسهم ريشة» تحول دون وقوفهم في الطابور، يكون الجواب جاهزاً بأن «النقيب طلبه»!
الوصول بشقّ الأنفس إلى الموظف الأول لا يعني اقتراب الفرج. هناك، سيكون طابور ذل آخر، قبل أن يحالفك الحظ لتجد نفسك وجهاً لوجه مع الموظف المعني. «بهدلة ببهدلة»، هكذا يختصر المفتش في «نقابة سائقي ومالكي السيارات العمومية» في بيروت أحمد ناصر عملية التسجيل. «من هالك إلى مالك لقبّاض الأرواح»، يتنقل المراجعون تحت الشمس. الستيني «أبو حسان» لا يعرف كيف يسجّل موعداً على المنصة، إذ «إنني معتاد على إنجاز معاملاتي بنفسي». انتظر قرار فتح الباب لإنجاز المعاملات من دون موعد مسبق، ملتزماً بجدول المواعيد الذي يُنشر أسبوعياً وينظّم التسجيل بحسب الأرقام الثلاثة الأخيرة من رقم هيكل السيارة. هكذا بدأ يومه في الطابور وانتظر طويلاً إلى أن «جاء الفرج»، ليُصدم بسؤال الضابط له: «هل سجّلت على المنصة؟». عندها أدرك أن «وقفة ساعات بالشمس راحت ضيعاناً»، لأنّه ببساطة «القرار مش ماشي».
الإجراءات المطلوبة للتسجيل تشجّع صاحب أي سيارة أو دراجة نارية على رمي نفسه أمام أول حاجز صارخاً: «أنا مخالف»، إذ إن إجراءات فكّ الحجز عن سيارة أو دراجة أسهل من عملية التسجيل الطبيعية، ولا تتطلب حجز موعد على المنصة ولا «جميلة» سمسار. إنهاء المعاملة في وقتها قبل ضبط المخالفة يشبه اختبار صبر المواطن. والسؤال عن سبب الانتظار طويلاً من دون أن يتحرك الصف يلقى الحجة الجاهزة: «وقف السيستم»، رغم أنّ الموظف خلف الحاسوب يبدو منشغلاً في عمله ولا ينتظر إصلاح «السيستم»… وبعد هذا كله، تؤكد «اللافتة الإرشادية» الوحيدة على «أننا لا نتحمّل المسؤولية عن أي خطأ في المعاملة».
ينتهي الدوام من دون أن يأتي دور رجل سبعيني، وعندما احتجّ قائلاً إنه «جاي من آخر الدنيا»، كان الجواب: «تعا بكرا»، مع ما يعنيه «بكرا» من إعادة سلوك درب جلجلة النافعة نفسه.