قد يعتقد اي متابع عن كثب للتطورات العسكرية المتسارعة جنوب البلاد، كما للمواقف السياسية والتهديدات “الاسرائيلية” التي تحولت شبه يومية، ان الحرب الموسعة باتت قاب قوسين او ادنى. الا ان من يدقق بمجمل المشهد وخلفياته، يدرك ان هناك ٣ سيناريوهات يمكن ان تنتهي الى احدها الامور خلال الاشهر الـ٣ المقبلة:
– السيناريو الاول: لا شك ان سيناريو الحرب الموسعة عاد يطرق الابواب اللبنانية بقوة، وليست التحذيرات والتهديدات التي نشطت بشكل غير مسبوق في الايام الماضية، الا دليلا عن ارتفاع احتمالات الحرب من دون ان تتجاوز حتى الساعة الـ50%، بحسب مصادر مطلعة على جو حزب الله. ولعل ابرز ما احيا هذه الاحتمالات الاعلان عن اعطاء رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو تعليماته للجيش بتوسيع مستوى الضربات على لبنان، اضافة لما اوردته القناة 12 “الإسرائيلية” عن ان لبنان تلقى رسائل غير مباشرة، أنّ “إسرائيل” ستهاجم أراضيه.
وبحسب المصادر فانه “وبعد خطة الهدنة التي طرحها الرئيس الاميركي جو بايدن لغزة، والتي لن يستطيع نتنياهو رفضها لاعتبارات كثيرة، وان كان قد يعمد الى نسفها في مرحلتها الثانية، بات الخشية كبيرة من ان يلجأ رئيس حكومة العدو لتوسيع القتال في لبنان، خاصة ان الجميع يعي ان لا مصلحة له بوقف القتال على كل الجبهات لان ذلك سيعني انطلاق مرحلة محاسبته داخليا وصولا لمحاكمته”.
وتضيف المصادر “بعد التصعيد الكبير لعمليات حزب الله ردا على عمليات العدو التصعيدية، بات نتنياهو يعتقد ان هناك مبررات وحجج يقدمها للولايات المتحدة الاميركية، لجهة ان حزب الله هو من يصعّد ومن يستهدف المستوطنات، ويدفع بعشرات آلاف المستوطنين الى الملاجئ… لذلك فاحتمال المغامرة “الاسرائيلية” جنوبا تبقى واردة”.
– السيناريو الثاني: يقول باستمرار الوضع على ما هو عليه سواء في غزة او في الجنوب، فتكون موجة التهديدات والتحذيرات المستجدة مماثلة لما سبقها من موجات. وعن هذا تقول المصادر “اعتاد الحزب هذه الاستراتيجية في التعاطي، لكنه ادرك منذ انطلاق الحرب ان التهديدات “الإسرائيلية” هدفها الوحيد وقف القتال، وبالتالي وقف الدعم والمساندة عبر جبهة الجنوب، وان العدو يعي ان العبث مع حزب الله والقيام بمغامرة في لبنان، يعني تهديدا فعليا للكيان ككل في ظل الظروف الراهنة. لذلك ما لم يردع الحزب بالسابق لن يردعه اليوم”.
فصحيح ان العمليات العسكرية للحزب تصاعدت بشكل كبير في الآونة الاخيرة، تماشيا مع التصعيد “الاسرائيلي” باستهداف المدنيين، الا انه ورغم ذلك والضغوط الكبرى التي يمارسها المستوطنون، يُدرك نتنياهو ان العبث مع حزب الله سيكون مختلفا، خاصة بعدما وصلته من اكثر من جهة تحذيرات بأن ايران لن تسمح بالاستفراد بالحزب، والدخول بمواجهة موسعة معه قد تجر المنطقة ككل الى الحرب. هذا عدا عن ان واشنطن كانت ولا تزال حاسمة برفضها توسعة الحرب مع لبنان، وهي تعتبر ان ما يحصل عملية استنزاف للحزب تؤيدها حتى النهاية. وبالتالي، فان العوامل التي تدفعها للضغط بشكل كبير لانهاء الحرب في غزة، هي نفسها التي تدفعها لمنع توسع الحرب في لبنان، وابرزها اصرار بايدن على القيام بحملته الرئاسية، في ظل هدنة في الشرق الاوسط، لان خلاف ذلك قد يؤدي لخسارته بوجه منافسه دونالد ترامب.
السيناريو الثالث: يقول بسير نتنياهو مجبرا بخطة بايدن للهدنة وبسريانها تلقائيا على لبنان، على ان يعود المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين فورا الى بيروت، مع اعلان سريان الهدنة في غزة، بمسعى لصياغة تفاهم نهائي على الوضع جنوبا، يلحظ العودة لتطبيق فعلي للقرار الدولي 1701 وانسحاب “اسرائيل” من أراض لبنانية لا تزال تحتلها، ما يؤدي لدخول لبنان في مرحلة طويلة نسبيا من الاستقرار على كل المستويات، بعدما بات واضحا ان الاستقرار الامني سيؤدي تلقائيا لاستقرار سياسي ولتدفق الاستثمارات، كما سبق ان وعد هوكشتاين.
بالمحصلة، يبدو ان شهر حزيران سيكون مفصليا في مسار الاحداث في لبنان والمنطقة، فهل نتجه الى الهدنة الطويلة الامد او الانفجار الكبير؟